[الهمة في طلب العلم]
ـ[أبو عبد الله يربح]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:34 ص]ـ
[الهمة في طلب العلم]
للشيخ د/ رضا بوشامة ( http://www.rayatalislah.com/kouttab/sheykh-bouchama.htm)
كلُّ إنسان يبحث عن الكمال، والكمال لا يتم إلا بأمرين: همَّة ترقيه، وعلم يُبصره ويهديه، وهذه الإرادة من الإنسان يقودها العلم، فهو إمامها والمقدَّم عليها، والمرشد لها، وقد بيَّن الله في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فضل العلم وشرفه، وعموم الحاجة إليه، وتوقفُ كمال العبد ونجاته في معاشه ومعاده إلا عليه، وشهد الله وأشهد ملائكته وأولي العلم على أجلِّ مشهود وهو توحيده، مما يدل على فضل العلم وأهله، لأنه قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته الخيار، فقال عز من قائل: ?شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم?.
والآيات والأحاديث في فضل العلم وأهله والحث على طلبه وتتبعه لا تحصى ولا تستقصى.
وهو أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب، وبه ينال العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ?، والمراد بالعلم في الآيات والأحاديث الواردة في ذلك العلم الشرعي: علم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس غالطون في حقيقة العلم الذي به السعادة والرفعة، وتظن كلُّ طائفة أنَّ ما معها من العلم هو الذي تنال به تلك السعادة، وكل طائفة فرحت بما عندها من العلم، والعلم بمعزل عن كل أولئك، بل هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله سبحانه، كما قال تعالى: ?فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ? إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى.
ولما بعد العهد بهذا، آل الأمر إلى بكثير من الناس أن اتخذوا آراء الرجال وأفكارهم علما يتعبدون به المولى عز وجل، ووضعوا لذلك الكتب وأنفقوا الأوقات والأعمار وضيَّعوا الزمان، وملأوا الصحف مدادا والقلوب سواداً، حتى ادَّعوا أن لا علم في الكتاب والسنة، بل هي أدلة ظنية لا تفيد علما ولا يقينا، وانتشرت هذه الترهات في أوساط المتعلمين، فركضوا في ميدان الجهالة بجهلهم وظنوا أنَّهم من السابقين، وهم عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه بمعزل ومنأى، كما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائلهاشم
ونزلتَ بالبيداء أبعدَمنزلِ
وأما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا عن علوم الأواخر بمعزل، بل كانوا لا يتذاكرون إلا ما جاء به الرسول المصطفى، فالفقه في الدين كان شعارَهم فحصل لهم العلم بالله وبأحكامه ونالوا فضله ورفع الله قدرهم، وأعزهم على أعدائهم باتباع سنة نبيهم، وعملهم بما جاء عن ربِّهم.
ثم خلفهم بعد ذلك التابعون لهم بإحسان، فكانوا بجميع علوم الاجتهاد قائمين، وبنشرها في الآفاق معتنين، وهم في ذلك متفاضلون، فمنهم المُحكِم لعلم الكتاب، ومنهم القائم بأمر السنة، ومنهم المتبحِّر في العربية، ومنهم المتقن لجودة استنباط الأحكام، فصنَّفوا في ذلك المصنفات الكثيرة، وكلهم من رحيق الكتاب والسنة ناهلون، وقد أدركوا حق الإدراك أنَّّ العلم هو ما جاء عن الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تركه الفضلاء من الصحابة الأخيار، لا يرون الدخول في الكلام ولا الجدال، بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة والتفقه فيهما، ويتبعون ولا يتنطَّعون، قال الإمام أحمد مترحِّما على أبي بكر محمد بن الحسن الأعين: «إني لأغبطه، مات وما يعرف إلا الحديث، لم يكن صاحب كلام».
ثم خلف من بعد الأئمة خلوف فترت همتهم عن تحصيل العلم الشرعي، فأضاعوا الأوقات في ما لا ينفع الطالب علمه، وقد وصف الإمام العلامة أبو شامة المقدسي ما آل إليه الأمر في زمانه، مع أنه عاش في عصر زهرت فيه العلوم حيث قال:
«ما أعظم حظَّ من بذل نفسه وجهدها في تحصيل العلم حفظاً على الناس ما بقي بأيديهم منه، فإنَّ هذه الأزمنة قد غلب على أهلها الكسل والملل وحب الدنيا، فالمشتغل منهم عليها يحوم، ولها يقعد ويقوم، فإذا حصلت فترت همَّته واشتغل بها، وطلب الزيادة منها.
¥