(رضي الله عنه وأرضاه) هذا التلازم بعد أن التحق الرسول الكريم بالرفيق الأعلى
وارتدت بعض قبائل العرب وزعمت أن الزكاة شيء كان يأخذه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- منهم وبموته ينتهي هذا الالتزام، فقد أطلقها مدوية في سمع التاريخ
قائلاً: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو
منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها.
إن من المفاهيم الأساس للزكاة، التي ينبغي إدراكها ومعرفتها: أن الزكاة من
أهم المقومات التي يتميز بها المجتمع المسلم، وتعطيل الزكاة والتهرب من أدائها
علامة من علامات انحراف المجتمع، وبروز النفاق، ويؤكد القرآن هذا المفهوم في
قوله (تعالى):] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [[التوبة: 71].
أما المنافقون: فهم أولئك القابضون على أيديهم، فهم لا ينفقون، مخالفين
لكل ما فيه خير وصلاح، يقول (تعالى):] الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ
يَاًمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنَّ
المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ [[التوبة: 67].
تجب الزكاة وفق هذا المفهوم كما أجمع عليه علماء الإسلام على كل مسلم،
بالغ، عاقل، حر، مالك نصاب الزكاة وفق شروطها، فالزكاة لا تجب على غير
المسلم، فلا يطالب بها الكافر، ولهذا: وجب فصل موارد الزكاة عن الموارد
الأخرى التي تتحصل عليها الدولة؛ لأن طبيعة الزكاة وأغراضها والأهداف التي
من أجلها شُرعت تختلف عن الأموال الأخرى التي قد يقوم ولي الأمر بجبايتها
لمصلحة ظاهرة، فالزكاة لا تسقط بعدم وجود الحاجة إليها ولا تسقط باستبدالها
بموارد أخرى، فهى تملك خصوصية ارتباطها بطبيعة التنظيم الاجتماعي للجماعة
المسلمة الذي يسعى إلى تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي القائم على الأخوة الإيمانية،
بجانب ارتباطها بالاعتقاد، فإخراجها يرتبط بالإيمان، فهي لا تدفع لقاء منفعة
مباشرة كما في الرسوم والضرائب وغير ذلك من أنواع الجبايات التي تفرضها
الدول على رعاياها لتحقيق مصلحة ومنفعة عامة.
لم يحدد القرآن الكريم جميع الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا شروط
وجوبها ولا مقاديرها، ولكن السنة النبوية القولية والعملية فصّلت ما أجمله القرآن،
وبينت ما أبهمه، وخصصت ما عمّمَهُ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- مكلف
ببيان ما أنزل الله من القرآن، وهذا ما يقرره قوله (تعالى):] وَأََنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [[النحل: 44].
لقد أشار القرآن إلى بعض أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، وأجمل بقية
الأموال بكلمة عامة، وهي كلمة (أموال)، كما في قوله (تعالى):] خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [[التوبة: 103]، وفي قوله (تعالى):] وَفِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [[الذاريات: 19].
أما الأموال التي حددها فهي:
أولاً: الذهب والفضة، كما في قوله (تعالى):] وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [[التوبة: 34].
ثانياً: الزروع والثمار، كما في قوله (تعالى):] كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [[الأنعام: 141].
ثالثاً: الكسب من التجارة وغيرها، كما في قوله (تعالى):] يَا أَيُّهَا الَذِينَ
آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [[البقرة: 267].
رابعاً: الخارج من الأرض من معدن وغيره، كما في قوله (تعالى):] وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ [[البقرة: 267].
إن شمولية الزكاة لجميع الأموال يعود إلى المفهوم اللغوي لكلمة (المال) كما
¥