فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إنَّا هُدْنَا إلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أََشَاءُ
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأََكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ [[الأعراف: 156]، لقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن بني
إسرائيل وطلبِ موسى (عليه الصلاة والسلام) المغفرة من ربه، حيث كانت الإجابة
بنفيها عن قومه لأسباب، من أهمها: أن المغفرة لا تعطى إلا لمن اتقى وآتى الزكاة، فغضب الله يحيق بأولئك الذين لايعطون حق الله في أموالهم التي منحهم الله أياها، هذا الارتباط بين الإيمان القلبي والسلوك المادي تؤكده كذلك سورة مريم حكاية
عن عيسى (عليه السلام)، في قوله (تعالى):] وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ
وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً [[مريم: 31]، وفي السورة نفسها عندما
مدح الله نبيه ورسوله إسماعيل (عليه الصلاة والسلام) أشار إلى هذه الحقيقة بقوله:
] وَكَانَ يَاًمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِياً [[مريم: 55] .. وغير
ذلك من الآيات التي تتحدث عن الزكاة في العهد المكي، حيث أوضحت أن الزكاة
جزء أساس لاستكمال حقيقة الإيمان.
إن رسالة الإسلام هي إيجاد المجتمع المؤمن الذي يرعى أغنياؤه فقراءه،
وتربية للفئة المؤمنة التي التحقت بالركب الإسلامي في مكة، بأن عقيدة الإسلام لا
تفصل واقع الحياة عن العقيدة، وأن التكافل الاجتماعي أحد المقومات الأساس
للمجتمع الذي يريده الإسلام، كما إنها تأكيد للأجيال المسلمة ممن يدخل الإسلام بعد
تكوين دولته وقيام السلطة المسؤولة عن تنفيذ أحكام الله أن الإسلام دين لا يؤدي
دوره الفاعل في الحياة الإنسانية إذا لم يقم المال بدوره في تحقيق الحياة الآمنة
المستقرة.
إن آيات القرآن الكريم التي نزلت في المدينة أعلنت بكل وضوح وجوب
الزكاة، في سورة البقرة جاء أمر الوجوب في قوله (تعالى):] وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [
[البقرة: 110]، بعد الإشارة إلى الرغبة لدى أهل الكتاب في صرف المسلمين عن
الإيمان في قوله (تعالى):] وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَاًتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [[البقرة: 109]، وكأن الله ينبه المؤمنين
إلى أن الإيمان الذي يرغب الكفار في صرف المسلمين عنه تتمثل مظاهره في
الصلاة والزكاة، فتَرْك واحدة من هاتين العبادتين تحقيق لأمنية الكافرين.
كما نجد هذا المفهوم يظهر أكثر وضوحاً عند تحديد الإطار التنظيمي لجماعة
الأمة المسلمة، بأنها تلك الجماعة الملتزمة بأداء الصلاة والزكاة، وأن المشركين لا
يمكن دخولهم حظيرة الجماعة إلا إذا أدوا هاتين الشعيرتين، ويحدد في سورة التوبة
أن الزكاة جزء من إطار العلاقة التي تُبنى عليها الجماعة المسلمة، والتي تتميز بها
عن بقية الجماعات الأخرى، في قوله (تعالى):] فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا
المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإن تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [[التوبة: 5]، وفي
السورة نفسها: حدد مفهوم الأخوة الإسلامية، وإطار بنائها، ومن هو الذي يحق له
الانتماء إليها ممن لا يكون منها، وذلك عندما تحدث عن المشركين، وعهودهم،
وما تضمره قلوبهم، وأن شرط دخولهم في حظيرة الجماعة المسلمة يتحدد وفق ما
جاء في قوله (تعالى):] فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [[التوبة: 11].
لهذا نجد كيف فهم خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق
¥