1 - دين مرجو الأداء، بأن يكون لدى موسر مقر بالدين، فهذا يزكى مع
المال في كل حول، وقد روى أبو عبيد القاسم بن سلام رأي علماء السلف في ذلك
بأن يزكى مع المال الحاضر؛ لما رواه عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه
كان إذا أخرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد.
كما روى ذلك عن عثمان (رضي الله عنه) وأنه كان يقول: (إن الصدقة تجب
في الدين الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه، والذي هو على مليء تدعه حياء أو
مصانعة، ففيه الصدقة)، كما روى عن ابن عمر (رضي الله عنه) أنه كان يقول:
(كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول)، كما روى ذلك عن
جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)، وقد وافق عدد من التابعين هؤلاء الصحابة،
منهم: مجاهد، ومروان بن مهران [3].
2 - الدين غير المرجو تحصيله، ففيه مذاهب، هي:
الأول: تزكيته عند القبض لما مضى من السنين، وهو مذهب علي وتابعه
ابن عباس (رضي الله عنهم)، فكان علي (رضي الله عنه) يقول في الدين المشكوك
فيه: (إن كان صادقاً فيزكه إذا قبضه لما مضى)، ويقول ابن عباس (رضي الله
عنه): (إذا لم ترج أخذه فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته: فزكِّ عنه ما عليه).
الثاني: تزكيته عند القبض لسنة واحدة، وهو مذهب الحسن، فقد روى أبو
عبيد عنه أنه كان يقول: (إذا كان للرجل دين حيث لا يرجوه فأخذه بعد: فليؤد
زكاته سنة واحدة) [4].
وكان يقول بذلك عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه)، فقد روى عنه ميمون بن مهران قائلا: (كتب إليّ عمر بن عبد العزيز في مال رده عليّ رجل، فأمرني أن آخذ منه زكاة ما مضى من السنين، ثم أردفني كتاباً أنه كان مالاً ضماراً فخذ منه زكاة عامه) [5].
الثالث: أنه لا زكاة عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، باعتباره مثل المال
المستفاد، يستأنف به صاحبه الحول، فلا زكاة فيه [6].
وقد اختار أبو عبيد القاسم بن سلام الرأي الأول فيما يتعلق بالدين المرجو:
أنه لا زكاة فيه حتى يتم قبضه وتزكيته عما مضى، وعلل رأيه بقوله: (وإنما اختاروا من اختار منهم تزكية الدين مع عين المال؛ لأن من ترك ذلك حتى يصير إلى القبض لم يكن يقف من زكاة دينه على حد، ولم يقم بأدائها؛ وذلك أن الدين ربما اقتضاه ربه متقطعاً كالدراهم الخمسة والعشرة وأكثر من ذلك وأقل، فهو يحتاج في كل درهم يقتضيه مما فوق ذلك إلى معرفة ما غاب عنه من السنين، والشهور والأيام، ثم يخرج من زكاته لحساب ما يصيبه، وفي أقل من هذا ما تكون الملامة والتفريط، ولهذا: أخذوا بالاحتياط، فقالوا: تزكيته مع جملة ماله في رأس الحول، وهو عندي وجه الأمر، وهذا كله في الدين المرجو الذي يكون على الثقات) [7].
ونحن نميل إلى هذا الرأي فيما يتعلق بالدين المرجو، أما بالنسبة للدين غير
المرجو والمشكوك في تحصيله: فنميل إلى الأخذ بالمذهب الثاني، وقد أخذ به من
الفقهاء المعاصرين: فضيلة الدكتور (القرضاوي) [8]، وهو أن يتم تزكيته عند
قبضه لعام واحد، باعتباره ميئوساً منه، وأنه بمثابة المال المستفاد الذي يتم إخراج
زكاته عند تحصيله دون اشتراط الحول.
إن الأخذ بهذا الرأي سوف يحقق أمرين:
أولهما: عدم إضاعة حق الفقراء والمساكين عند تحصيله.
ثانيهما: أنه لو تم احتساب زكاته عما مضى لكل سنة فقد يكون فيه ضرر
على صاحب المال، فقد تستغرق الزكاة الدّين جميعه، كما قد يصعب تحديد فترات
الحول، وخاصة بالنسبة للتجار الذين يتعاملون مع أعداد كبيرة من المدينين.
الضابط الثاني: النماء:
يقصد بالنماء: أن المال الذي تؤخذ منه الزكاة يكون نامياً بذاته، بالتوالد،
والتناسل، والتجارات، أو قابلاً للنماء، والذي من شأنه أن يدر على مالكه ربحاً أو
غلة أو إيراداً، بحيث يكون هو نفسه نماءً أو فضلاً وزيادة، مثل مدخرات النقود.
إن الحكمة من اشتراط النماء كما ذكر ابن قدامة: أن (الزكاة إنما وجبت
مواساة، ولم نعتبر حقيقة النماء؛ لكثرة اختلافه وعدم ضبطه، ولأن ما اعتبرت
مظنته لم يلتفت إلى حقيقته، كالحكم مع الأسباب، ولأن الزكاة تتكرر في هذه
الأموال، فلا بد لها من ضابط؛ كي لا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد
مرات، فينفد مال المالك) [9]، ويحدد الكاساني الحكمة من ذلك في (بدائع
¥