يرون حقوقهم على الناس، ولا يرون حقوقهم عليهم حقاً.
وكان ابن وهب يقول: من قال في موعد إن شاء الله فليس عليه شيء. وطلب ابن وهب من مالك كحلاً، فقال لجاريته أعطي من الكحل لصديقي المصري. قال فأتوه بأنبوبة أو أنبوبتين.
قال الربيع صاحب الشافعي: جئنا عبد الله بن وهب للسماع واجتمع على بابه خلق كثير، فقام ليفتح، فلما فتح ازدحمنا للدخول فسقط وشج وجهه، فقال ما هذا إلا الخفّة وقلة الوقار ونحو هذا، والله لا أسمعتكم اليوم حرفاً. ثم قعد وقعدنا. فلما رأى ما بنا من الهدوء، قال أين سكينة العلم، إنما أنا أكفِّر عن يميني وأسمعكم، فكفّر وأسمعنا.
ونظر ابن وهب إلى رجل يمضغ اللبان فقال له: إنه يقسي القلب ويضعف البصر ويكثر القمل. قال ابن وهب: كنت أصلي في المسجد بالإسكندرية فسمعت العلا بن كثير يقول لأصحابه: ما منكم من يقترف هذا الفتى فيزوجه ابنته، تفرسنا فيه. قال سحنون: نذر ابن وهب أن لا يصوم يوم عرفة، أبداً. وذلك أنه صام مرة فاشتد عليه الحر والعطش في الموقف قال: فكان الناس ينتظرون الرحمة وأنا انتظر الإفطار.
قال ابن وهب: قال لي مالك: لا تترك أحداً من أهل الكتاب يعلم المسلمين. قال ابن وهب: وكان معلمي نصرانياً.
قال يحيى بن يحيى: سمعت ابن وهب يحدث بحديث فيه: بعد العشرين ومائة ليربّي أحدكم جرواً خيراً له من أن يربي ولداً. فاستنكرت ذلك عليه. فقال له: يا أبا محمد ما أراك فيما أتاك الله من فضله ولدت إلا بعد هذا الرجل. فقال لي: نعم. فوالله ما عاد إلى ذكر الحديث حتى فارقته. قال يحيى ولم كان أحد يسلم من عيب الإكثار لسلم منها ابن وهب.
وقال النسائي: لا بأس به، إلا أنه تساهل في الأخذ تساهلاً شديداً. قال ابن سعيد: وكان يدلس. قال سعيد بن منصور: وكان عبد الله بن وهب يسمع معنا عند المشايخ؛ فكان ينام في المجالس ثم يأخذ الكتب من بعضنا فيكتبها. قالوا وهو أول من فرق بمصر بين نا وأنا.
?ذكر عبادته وزهده وخوفه ووفاته
قال أبو عمر: كان ابن وهب صالحاً خائفاً لله. قال غيره: كان كثير الحج. قال سحنون: كان ابن وهب قد قسم دهره أثلاثاً، ثلثاً في الرباط، وثلثاً يعلم الناس بمصر. وثلثاً في الحج. وذكر أنه حج ستاً وثلاثين حجة. قال ابن وهب جعلت على نفسي كلما اغتبت إنساناً صيام يوم، فهان علي، فجعلت عليها إذا اغتبت إنساناً علي صدقة درهم فثقل علي ّوتركت الغيبة. قال أبو جعفر الأيلي: قال ابن وهب: ما من ليلة تمر إلا وأنا استهولها واذكر بها هول الآخرة، ولما طلب لقضاء مصر، استخفى عند حرملة سنة وأشهراً. قال الحجاج بن رشدين: فأشرفت عليه من غرفتي وكانت تحاذيه يوماً، فقال لي: يا أبا الحسن بينا أنا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء أحشر في زمرة القضاة. قال ابن أخيه: ما رأيت قط أزهد في الدنيا منه. كان ينهدم عليه بعض بنيانه فلم يصلحه، وما بنى قط شيئاً، ولا رأيت أكثر رباطاً منه. قال: وشهدت عبد الله ابن وهب يقرأ عليه في منزله كتاب الأهوال الذي كان يرويه أنه بلغه عن أبي هريرة وشهده أبو أسامة البكاء فأخذ في البكاء، ثم أن أبا أسامة قام بتلك الرِّقة وابن وهب على حاله والقارىء يقرأ وابن وهب ينشج رافعاً صوته، حتى أني لأحسب من كان على خمسين ذراعاً يسمعه، فلم يزل كذلك حتى مال على الحائط الذي كان مستنداً إليه، ثم احتمل إلى منزله فلم يزل على حاله لا يعقل، حتى توفي. فكنا نرى أن قلبه انصدع قال يونس. قال ابن وهب: إن أصحاب الحديث طلبوا مني أن أسمعهم صفة الجنة والنار، وما أدري القدر على ذلك ثم قعد لهم فقرأوا عليه صفة النار، فغشى عليه ورش بالماء وجهه فقيل اقرأوا عليه صفة الجنة، فلم يفق وبقي كذلك اثني عشر يوماً فدعي له طبيب فنظر إليه فقال: هذا رجل انصدع قلبه. وكانت وفاته بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.
فيما قاله أحمد ابن صالح وأبو محمد الكندي. قال ابن الجزار: يوم الأحد لخمس بقين من شعبان منها وقيل سنة ثمان وتسعين وقال الباجي: سنة تسعين. والأول أصح وأشهر. وقال ابن سحنون: الثابت أنه مات سنة ست وتسعين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقيل ابن خمس وسبعين سنة. وقيل ابن ثمانين. ولد بمصر سنة أربع وعشرين ومائة وقيل سنة خمس وعشرين قال أبو اسحاق: وكان أسنّ من ابن القاسم بثلاث سنين، وعاش بعده خمس سنين. قال ابن أخيه لما توفي ابن وهب رأى رجل في المنام تلك الليلة أنه قيل له مات الليلة أربعمائة عالم. فلما انتبه سمع النوح، فسأل فقيل له: مات ابن وهب قال وكان ابن وهب روى أربعمائة عالم قال الطباع فلما غسلوا ابن وهب وجدوا فيه رطبة وصلى عليه عبّاد والي مصر. قال أبو بشر بن قعنب رايت ليلة مايت ابن وهب كأن مائدة العلم رفعت. قال الطباع وغيره: وبيعت كتبه بعد موته، فبلغت خمسمائة دينار قال محمد بن عبد الحكمصى ابن وهب إلى أبي في كفّارة الأيمان، وأمره فيها بمّدين مدّين، وأوصى إليه بها ابن القاسم بمدّ بمدّ.
وألف تآليف كثيرة جليلة المقدار عظيمة المنفعة
منها سماعه على مالك، ثلاثون كتاباً.
موطأه الكبير
وجامعه الكبير
وكتاب الأهوال وبعضهم يضيفها إلى الجامع،
وكتاب تفسير الموطأ،
وكتاب البيعة
وكتاب لا هام ولا صفر.
وكتاب المناسك.
وكتاب المغازي.
وكتاب الردة.
وله أخ اسمه عبد الرحمان والد أحمد، وعبد العزيز. وأخ اسمه عمر بن وهب، قيل: له حديث وما أعرفه. توفي في محرم سنة سبع وتسعين ومائة. قال ابن يونس: وكان ابن اسمه حميد. ذكر الكندي أنه كان مقبولاً عند قضاة مصر، قال الطحاوي وكانت فيه بطالة.
¥