تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عملية التحقيق نفسها؛ فإنها تَعْنِي بَذْلَ عنايةٍ خاصّةٍ بالمخطوط، لتقديمه صحيحاً، كما وضعه مؤلّفُه. وتكاد كلمة المحققين تُجْمع على أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن يتناول البحث في: تحقيق عنوان الكتاب، ثم تحقيق اسم المؤلف ونسبة الكتاب إلى صاحبه، ثم تحقيق متن الكتاب ونصه. ويسبق هذا أن يقوم المحقق بجمع النسخ المخطوطة للكتاب من مظانّها، مستعيناً بفهارس المكتبات، وبالكتب التي عنيت بالتراث وتصنيفه، وبالدوريات المتخصصة ... ثم يدرس هذه النسخ ويرتبها حسب الأهمية والأولوية ليختار منها ما يصلح للاعتماد عليه في التحقيق كما هو مقرّر ومعروف في هذا العلم، ويقارن بين هذه النّسخ، ويضبط النصّ أو ما يحتاج منه إلى ضبط، وقد يشرح الغامض فيه، ويعزو المنقول إلى صاحبه .. وقد يناقش أو يصحح حسب الحاجة، ضمن قواعد مصطلح عليها. وهذا يعني بالبداهة أن المحقق مؤهل للقيام بهذا العمل الدقيق الصعب، فلا يجوز

أن يقدم عليه إلا من لديه الكفاءة والقدرة .. وليس من غرض هذه الكلمات الموجزة أن تأتي على كل ما ينبغي عمله في التحقيق وإخراج المخطوط، فإن ذلك يطلب من مظانّه، وهي بحمد الله كثيرة مشتهرة [3].

يتبع .....


إيجابيات تحقيق التراث:

وفي تحقيق كتب التراث ونشرها بطريقة علمية، وَفْق أصول النشر الحديث
وضمن قواعد التحقيق، نجني جملةً من المكاسب والفوائد من أهمها:

1 - حفاظ على تراث الأمة، وحفظٌ له من الضياع، أو الحفاظ على ما بقي
منه بعد أن عَدَتْ عليه العوادي والفتن وحوادث الدهر؛ وبذلك نصل ما بين ماضي
هذه الأمة وحاضرها؛ ونستفيد من هذا التراث الضخم في حَلّ كثير من مشكلات
العصر؛ لأن المشكلات التي تَشْغل بال الأمة، بل تشغل البشرية بأجمعها، هي
مشكلات في جوهرها وحقيقتها واحدة، وإن كانت تختلف أحياناً في مظهرها، أو
تختلف طريقة التفكير في حلّها.

2 - تيسير الرجوع للكتاب والإفادة منه إفادة أكبر، حيث يزوّده المحقق بجملة
من الفهارس الكاشفة لمحتواه من فهارس للأبحاث، والمصطلحات، والأعلام،
والأماكن، والمصطلحات الحضارية، والقواعد والضوابط، وفهارس الشّعْر ...
وفهارس الآيات والأحاديث النبوية، والآثار المروية ... فيمكن عندئذ للقارئ أن
يصل إلى طَلِبَتِه بأيسر السّبُل وأقربها، فيوفّر بذلك جهداً ووقتاً ... فإذا أضفنا إلى
ذلك سهولة الرجوع إلى الكتاب المطبوع أكثر من الرجوع إليه والقراءة فيه
مخطوطاً؛ تضاعفت عندئذ الفائدة وتعاظمت؛ فطريقة استعمال المخطوط،
وصعوبة الحصول عليه في كل وقت، تقف عائقاً أمام الاستفادة الأمثل. وبذلك
تيسّر عمليةُ التحقيق القراءة والاطلاع، وتساهم في نشر العلم والثقافة على نطاق
أوسع.

3 - وفي عملية التحقيق نستطيع أن نطمئن إلى صحة النص الذي نقرؤه،
وصحة نسبته إلى صاحبه؛ حيث يقوم المحقّق بدراسة تهدف إلى إثبات صحة نسبة
الكتاب لصاحبه، فيكون الكتاب بجملته صحيح النسبة، ثم يقارن ويوازن النسخ
المخطوطة للكتاب فيخرج لنا نصاً سليماً، لا يعتوره نقص ولا تحريف على قدر
الطاقة والوسع وتظهر أهمية هذه الفائدة عندما نقرأ في كتابٍ منشورٍ نشراً تجارياً،
دون تحقيق علمي؛ فتقف أمام كثير من عباراته غير المفهومة، لوجود سقط أو
خرمٍ فيها وتحريف، ويزول ذلك كله بمقابلة الكتاب بنسخة أخرى موثّقة.

4 - كما أن تحقيق كتب التراث وسيلة لتيسير وتقريب فهم النصوص، بما
يكتنفها من شرحٍ للغامض المبهم، وضبطٍ للمهمل والمشكل، وترجمة للأعلام حسب
الحاجة وتعقيبٍ على بعض الآراء والأفكار، وتصحيح ما قد يظهر من أخطاء،
فيجعل الفائدة ميسورة التحقق للقارئ أكثر.

5 - ومما يتصل بعملية التيسير والتقريب؛ تجدر الإشارة إلى أن طريقة
إخراج النص والعناية بفقراته، والاهتمام بعلامات الضبط والترقيم كالفاصلة،
والفاصلة المنقوطة، والنقطة، والنقطتين، وعلامات التعجب، والأقواس، وإشارة
الحصر أو المعترضتين .. كل ذلك يساعد القارئ على الفهم، ويشجع على متابعة
القراءة دون عناء، وإلا فإنه سيجد صعوبة كبيرة، ويضيع وقتاً ثميناً؛ فأنت تجد
في الكتب القديمة: فصلاً بين المبتدأ والخبر مثلاً أو بين الشرط وجوابه، قد
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير