تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا الكفاية. والحمد لله رب العالمين.

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:10 ص]ـ

لُغَتُنَا الضَّائِعَة

اللغة العربية أصلُ الأصول في تحقيق الكتب ونقدِها ونشرها، ولا يكفي في ذلك أن يكون المحقق أو الناقد جامعًا لقُصاصات لُغوية متفرقة، لا يجمع بينها جامعٌ، ولا يشدّها عقدٌ رابط.

ولم يعد (رصّ الألفاظ) صعبًا لدى الناس الآن، خاصة بعد إفرازات الشبكة العنكبوتية، وبلاء الجهاز الحاسوبي (راجع مقالي: الشكوى المرة حين يصبح البحث بيد الصبيان).

لكن يبقى كلّ هذا عاجزًا عن إقامةِ محققٍ أو ناقدٍ.

فالمحققُ والناقد بحاجة إلى معرفة لغة العرب من حيث هي لغة العرب، بشمولها ودلالاتها، واستخدامها في الوقوف على معاني خطابات الناس، وفرز كلامهم لمعرفة ما بين السطور، وما وراء الحروف، مما تحمله حروف المعاني في زوايا المباني.

ولا تلازم بين التمكًُّن من لغة العرب، وبين أدبية الأسلوب التعبيري للمرء، أو تمكُّنه من مقاليد الشِّعْر، أو شعوره بخيال الشاعر، ونحو ذلك.

ونحن لا نطلب من المحقق أو الناقدِ مثلاً أن يستدرك على نحو سيبويه، أو يعرف ما يحتاج إلى ضبطٍ ومراجعة مما ذكره ابن منظور في لسان العرب، فضلاً أن يكتب في مثل (وأوأ) أو (وعوع) ونحوهما بحوثًا طويلة الذيل، أو يرصد الحالات التي يلبس فيها المضارع لبوس الماضي مع احتفاظه بصورته المضارعية، أو يخرج فيها الفعل الماضي من ماضيته ليدلنا على المستقبل (يراجع مقال السيد خالد المصري المعروف بـ كلمات: مناقشة قضية اللحن عند الإمام مالكٍ، في بعض مشاركاته في هذا الملتقى).

فهذا كله عمل اللغوي الأريب، وإن كان مما يُمْدَح به المحقق والناقد لو أنهما تحقَّقَا به.

لكن على المحقق أن يعرف أبجديَّات لغتنا التي تعينه على التحقيق والنقد، حتى لا يخلط العامي بالفصيح، ولا ينسب الفصيح للعامية.

وهذا القدر مما يشترك فيه المحقق والناقد على قَدَمٍ واحدةٍ، ويزيد الناقد على المحقق في ضرورة معرفته بضروب اللغة ومزالقها، ليأْمَن من نقد ما لم يتَّجه إليه نقدٌ، أو تصحيح ما لا سبيل لتصحيحه.

فالمحقق قد نجد له عُذرًا في خفاء بعض اللغة عليه، بخلاف الناقد، فيلزمه في نقده أن يكون مُلمًّا بأطراف اللغة وأصولها، فإن لم يكن بصيرًا فعليه المراجعة والبحث والسؤال لأهل اللغة قبل التصدِّي للنقدِ.

ولا شك أن مرتبة الناقد أعلى من مرتبة المحقق، وإن لم يُنْكر أن يتصدَّى المحقق للنقد أو الناقد للتحقيق، لكن يبقى لكلٍّ منهما دنياه التي يحسنها.

ودخول دنيا النَّقْدِ بلا آلة لغوية يُؤْذن بخطر تصدِّي من هذا حاله لنقدِ أو دراسة تراث العرب أو بعضه؛ لأنه سَيُعَمِّي ما لم يعرفه من الفصيح، خاصةً إذا رأى ما يساعده على هذا في كتب المجامع العصرية.

وكتب المجامع مجهودٌ رائع ومهم جدًّا، لكن ينبغي على الناقد عدم التسليم بكل ما يُذْكَر في كتب المجامع، فقد عُثِرَ لهم على أكثرِ من مخالفةٍ لغوية فصيحةٍ.

ومثل محمود شاكر رحمه الله يُعَدُّ مجمعًا لغويًّا قائمًا بنفسه، فيعتمد عليه وعلى مثله في مخالفة ما خرجتْ به المجامع إلى غير جهتِه، قلَّ أو كَثُر.

وفي هذا كلامٌ طويل الذيل لم نقصد له هنا، ولكن نعود إلى المحقق؛ لأنه صاحب الموضوع الذي نحن بصدده.

فأقول: على المحقق أن يكون مُلمًّا بلغة العرب عند نظره في أصول العرب، وتراثهم العلمي.

وتُعْلَم ضرورة هذا للمحقق من خلال النظر في تراث المسلمين والعرب اللغوي، ومعرفة مكانته ومنزلته، والاطلاع على لغات العرب ولهجاتها.

فعلى المحقق أن يطلع على هذا كله حتى لا يُعَمِّي لغةً فصيحة تكلمتْ بها بعض قبائل العرب، أو يُخَطِّئَ عُرْفًا لغويًّا مشهورًا، وأصلاً مضطردًا عند بعض اللغويين.

ولا يصعب علينا هنا رصد أمثلة مِن الكتب الفَجَّة في مخالفةِ تراثنا العربي الزَّاهر، الموافقة لما أسميتُه في صدرِ كلامي (رصّ الألفاظ)، بغض النَّظَر عن صحَّة رسمها أو لغتها.

لكننا لم نقصد هنا إلى التشهير بأحدٍ، أو الكلام على أحدٍ مدحًا أو ذمًّا، وإنما عمدنا إلى التنبيه والدلالة، ومقام الإرشاد لا يصلُح فيه استجلاب عوامل التنفير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير