ونذهب إلى مقدمة الدكتور مصطفى جواد يرحمه الله لكتاب (تكملة إكمال الإكمال) لابن الصابوني من الورقة الخامسة فما يليها لنرى الآتي: ((والمختلف من أسماء الناس وألقابهم وأنسابهم وكناهم قليل الاشتباه، وذلك لوجود التَّبَايُن الظاهر فيه، والمؤتلف هو الذي يحتاج إلى كثيرٍ من التحقيق والتدقيق والضبط والتقييد، فمنه المؤتلف في الخط كالْمَعْدَنيّ ... ومثل الْمَعَرّيّ ... والمؤتلف في الصورة المختلف في الإعجام؛ أي نقط الحروف؛ مثل: (حَيْدَرِ) (خَيْذَر) و (القاليّ) و (الفاليّ)، والمختلف في الشكل نحو (سَليْم) و (سُلَيْم) والمؤتلف المختلف في تقديم بعض الحروف على بعضٍ مثل (زُرَيق) و (رُزَيق) .... فالوهم في هذه الأسماء المشتبهة وأمثالها يتطرّق أحيانًا على أعيان العلماء، لعدم اطّلاعهم على كتب (المؤتلف والمختلف) في الأسماء والأنساب والألقاب وما جرى مجراها في التقييد والضبط، فهذا الشيخ محمد الخضري المؤرخ المصري رحمه الله مثلاً يقول: (الافشين حيدر .... مع أن الصحيح هو (خَيْذَر) .... وهذا الأستاذ العالم أحمد أمين المصري يقول: (وهذا أبو علي (القاليّ) البغدادي ضاقت به الحال قبل أن يرحل إلى الأندلس ..... وقد تصحَّفَ على هذا العالم الفاضل (الفالي) بالفاء، فصار (القالي). ولما وقر في ذهنه أنه (القالي) أضاف إليه (البغدادي) وزخرف الحكاية بقوله: (قبل أن يرحل إلى الأندلس). ولم يُحل في ذلك على كتابٍ من كتب الأدب ولا من كتب التاريخ، ولو علم أن صاحب القصة والأبيات هو (الفاليّ) ما وهم ذلك الوهم المستعظم على مثله، المستغرب وجوده في كتابه، ولو درى أنه (أبو الحسن) لا أبو علي لتريث في الإقدام عليه .... )) انتهى.
وأكتفي بهذا الذي تقدَّمَ.
لكن تجدر الإشارة إلى أننا لا نُبَرِّر الخطأ لكائنٍ من الناس مهما كان، ولا نرضى به أبدًا، ونقوم على تصحيح ما رأيناه من أخطاء مشايخنا وإخواننا بارك الله لنا فيهم جميعًا، لكن المراد: التنبيه على الطريقة الْمُثْلى في بيان أخطاء الناس ونقد أوهامهم، وأنْ نعرف كيف يكون التنبيه؟ وعلى أيِّ شيءٍ يجب؟ وما يصح ترك التنبيه عليه لعدم فائدته لطلبة العلم؟ لأن التنبيه على ما يحسُن تركه يُعدّ عيبًا في النَّاقِد الذي تصدَّى للنَّقْد، وربما كان أمارةً على حقدٍ دفينٍ، أو مذهبٍ رديء.
وانظر رائعةَ ابن ماكولا رحمه الله تعالى التي سطّرها يراعه في مقدمة كتابه ((تهذيب مستمر الأوهام)) حين قال: ((وتركتُ أغلاطًا للخطيب رحمه الله في تراجم أبوابٍ حكاها عن الشيخين وهِمَ عليهما أو على أحدِهما فيها، ورتَّبها على غير ما رَتَّبَاه؛ تركًا للمضايقة؛ ولأن ذلك مما لا يضر طالب العلم جهله ولا تنفعه استفادته، ويعلم الله تعالى أن قصدي فيه تبصير المسترشد، وإرشاد الحائر، وتيسير الطرق على حافظي شريعة الإسلام، وتقريب البعيد على ناقلي سنن الأحكام، وهو بقدرته ولطفه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، إنه جوادٌ كريم رؤوف رحيم)) انتهى.
وبهذا الكفاية. والحمد لله ربِّ العالمين.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:28 ص]ـ
التَّتَابُع وأثره في النَّقْدِ
تحدَّثْتُ عن النَّقْد في أكثر من موضعٍ مضى، منها الموضوع السابق بعنوان: ((فقه النقد)) وصنوه المترجم بـ ((قواعد النقدِ والقراءة النقديَّة)) .. إلخ.
لكنَّا نذهب اليوم إلى زاويةٍ أخرى من تلك الزوايا النقديَّة ذوات الدلالة والأثر الذي لا يمكن لنا تجاهله ولا الحيلولة دونه.
ونحن لم ننكر جواز النقد في مقالاتنا، ولم نقل بالسكوت عن صاحب الخطأ أبدًا؛ لكنَّا قلنا في غير موضع: نرجو ممن يتصدَّى لأمرٍ أن يحسنَ وسيلتَه وغايتَه.
الوقوف على الخطأ لآحادِ الناسِ ليس صعبًا؛ بخلاف التنبيه على الخطأ والنصيحة، والتمييز بين النصيحة والتعيير، وبين الإخلاص والرياء، وبين الإصلاح والتشهير، وبين الإنصاف والإرجاف.
كلُّ هذه الأمور تحتاج إلى تجَرُّدٍ وعلمٍ وبصيرة وإنصاف نفسٍ ودعاء دائم لإلهام التوفيق، ونحن نعلم من سيرة أكابر علماء الإسلام: تزوّدهم بنحو الاستغفار في النصر على المخالفين.
ولا شك أن التزَوُّدَ بمثل هذا النوع من الأسلحة: يدلّ على نفسٍ ربَّانيَّة، تستمدّ عظمتها من عظمة سلاحها، وقوتها من قوته.
¥