تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:34 ص]ـ

فِقْهُ النَّقْدِ

نَقْدُ الرجالِ والأعمالِ: من الْحِرَف التي أَوْلاها الإسلام عنايةً خاصةً؛ لتَعَلُّقِها بأصلٍ من أصول دعوة الإسلام، وركنٍ من أركان منهجه: وهو ((أصل التصحيح)) و ((ركن التَّقْويم)).

ونحن نعلم أن الإسلام إِنَّما جاء لتصحيح حياة الناس، وتقويم عوجها، فكانت أعمال التصحيح والتَّقْويم فَرْعًا على أصل الإسلام الكبير.

ولذا نرى أن أغلب علوم الإسلام ومصطلحاتها قد قامت على هذين اللفظين: ((التصحيح والتقويم))، إِمَّا بصراحةِ اللفظين أو بجامع معناهما؛ على وتيرة: ((التصحيح)) في علوم الحديث، و ((الصِّحَّة)) في أصول الفقه، و ((الأمر بالمعروف)) في أصول الشريعة والدعوة، إلى آخر المصطلحات والفروع القائمة على مبدإِ تصحيح الأقوال والأفعال وتقويمها.

وهو ما يُعَبِّر عنه بعض العصريين بقولهم: ((صياغة الحياة)) أو ((صناعة الحياة)) أو ...

فهذا كله يعني: أن تصب جميع الفروع الإسلامية في نهر ((الإصلاح الإسلامي العظيم)).

ونحن نعلم أنَّ الفرع يأخذ حُكْم الأصل، فالأصل الفاسد لا يُنْتج إلا فاسدًا؛ ولا عكس.

ولذا قال علماءُ الأصول: ببطلان الفرع الذي يعود على الأصل بالبطلان.

فنرى أنَّ الإسلام العظيم قد أبطل جميع الفروع التي من شأْنِها شَيْن الأصل وإلحاق الضرر به من بعض الوجوه، ومن ذلك إبطاله لجميع المعاصي والذنوب ونهيه عنها؛ لأنها لا تُنَاسِب أصله الصافي الطاهر الْمُنَزَّه عن كلِّ عيبٍ وخُبْثٍ، في الوقتِ الذي أمرَ فيه الإسلام بكل حَسَنٍ وجميلٍ من شأْنِه أن يزين أصل الإسلام ويحفظ له طهارته ونقائه، وبدأ بوضع الحوائط المانعة، والقِلاع الحصينة التي يدفع بها عن أصله، فشرعَ الحدود سدًّا للنفس عن التَّفَلُّتِ والانزلاق في مهاوي التردِّي، كما شرع النَّوافِل إمعانًا في الإحسان، ونقلاً لمعركة الإنسان مع شيطانه إلى خارج أصول الإسلام وأركانه، وحَصْرِها في دائرة النوافل؛ فإِذا نال الشيطان شيئًا من هذه لم يصل إلى الأصل بحالٍ.

ومن هنا نعلم فائدة النوافل والحدود على حَدٍّ سواء، فهي الحواجز الواقية لأصول الإسلام وشرائع الدين.

ولاشك أنَّ ثمة ما قد فُرِضَ بقصْدِ التَّعَبُّدِ فلا يصح البحث في عِلَّةِ فَرْضِه؛ بل مدار الشريعة بأكملها على التَّعَبُّدِ، وإنما نبحث عن العلَّة لنقف على مراد الشرع مِنَّا، فإذا ظهرت فبها ونعمت، وإن لم تظهر فنِعِمَّ هي أيضًا، وقد كان بعض العلماء يقول: تعليل الأحكام يُؤَدِّي إلى إبطالِها؛ ويعني بذلك أن التوَقُّفَ في العمل بالأحكام حتى نعرفَ علَّتها يُؤَدِّي إلى إبطال الأحكام، وصدقَ الرجلُ فيما قال.

المهم: أَنْ نعلمَ أنَّ مدار الإسلام على ((التصحيح والتقويم)) أو ((الإصلاح) فكل خيرٍ: قد أَمَرَ به، وكلُّ شرٍّ ومنكرٍ: قد نهَى عنه.

وبناءً على هذا التصوُّر يمكننا فهم قضايا الإسلام جميعها، والوصول إلى حقيقة الأمر في جميع المسائل.

ولنأْخُذ مثالاً لذلك في قضية النَّقْد، فننظر في أطرافها، بحثًا عن فِقْهِ النَّقْدِ من خلال هذا التصوُّرِ السابق بيانه.

ولنعرض لمفهوم النَّقْدِ من ثلاث طُرُقٍ:

الأول: الاسم.

الثاني: الوسيلة.

الثالث: الغاية.

غايةُ النَّقْدِ

ولنسلك طريق ((اللَّفِّ والنَّشْر)) المعروف لدى أئمةِ القُرَّاء والُمُفَسِّرِين، فنذهب إلى الطريق الثالث ثم الثاني ونختم بأولِ الطُّرُق.

فنقول: سبق الحديث عن الغاية العظمي لدين الإسلام، وجمعها في كلمة ((الإصلاح) أو الاستطراد في وصفها في كَلِمَتَي: ((التصحيح والتقويم)).

وبناءً على هذا لابد من النظر في النَّقْد من جهة غايته، وعَرْض هذه الغاية على ميزان الشرع، ودلائل القبول والرَّفْض الشَّرْعِيِّ، فإِذا رأينا نقدًا يوافق الشرع في غايته استبشرنا به خيرًا، ونظرنا في باقي زواياه، لنعرف مدى موافقته في بقية النواحي، فإذا تأكدنا من موافقته للشريعة وغايته العظمي في ((الإصلاح)) و ((التصحيح والتقويم)): قبلناه، بل وأمكننا القطع حينئذٍ بحُسْنِ الناقدِ، وربما تَيَسَّرَ لنا الوقوف على كثيرٍ من جوانب شخصيته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير