ولم أَرَ في هذا اللفظ ما ينقذه من دائرة العيب فأَتَعلَّقُ بأهدابه، ولذا لم أَرَ داعيًا للإطالةِ في هذا الفصل، فليُهْدَرَ العيب كما أَهْدَرَهُ أسلافُنا الكرام.
وبهذا القدر الكفاية. والحمد لله ربِّ العالمين.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:35 ص]ـ
تَعَدُّدُ الْخَطأ ليسَ دليلاً على الخطأ
ومبنى هذا الفصل على ما ذكره الأئمة رضي الله عنهم من اختلاف الزمان والمكان، وتأثير كلٍّ في الفتوى والحكم.
فما يجوز لشخص قد يحلّ لآخر حسبما تقتضيه دراسة الحالات، وتطبيق النصوص الشرعية عليها، وهذا معلومٌ.
فإذا عُدْنَا إلى ما قصدنا إليه من قضية الخطأ:
فسنرى أئمة الحديث رضوان الله عليهم قد قَرَّروا في غير موضعٍ أن الخطأ من شأنه التَّعدُّد، بخلاف الصواب الثابت الراسخ.
ولذا قالوا في مثل رواية ابن لهيعة للحديث الواحد على وجوهٍ شتى: ((وهذا دليل الاضطراب من ابن لهيعة)).
فالرجل إذا ذكر شيئًا واحدًا على أكثر من وجهٍ؛ كان هذا دليل اضطرابه، وعدم ضبطه.
هذا بالنِّسْبَة لرواة الأحاديث.
فهل ثمة فرق بين هذا وبين تعدد الخطأ في كتب المحققين في هذا العصر؟
وبعبارة أخرى: هل يُستَدلّ على خطأ المحقق بتعدد الخطأ في أكثر من موضعٍ في الكتاب؟
فيه تفصيل؛ كالتالي:
- إذا كان الخطأ قد تكرر في المتن والحاشية في موضع واحدٍ، ثم تكرر الخطأ في موضع آخر من صلب الكتاب، فهذا يعني أن الخطأ مقصود، وليس شيئًا عابرًا، فيكون الخطأ من المحقق.
لأنه يصعب جدًّا أن يتكرر الخطأ في جميع هذه المواطن من غير قصدٍ.
- أما إذا ورد الخطأ في متن الكتاب: وكان على الصواب في حاشية نفس الموضع: فنعلم حينئذٍ أن لا ذنب للمحقق في مثل هذا، وأن الخطأ ناتجٌ عن إحدى مراحل الإعداد للطبع.
ويُعَدّ التهويل بمثل هذا النوع من الأخطاء تغريرًا بالقارئ، وتدليسًا على الناس، وضربًا من الخيانة العلمية للأمة.
- ومثل ذلك تمامًا إذا كان الخطأ في صلب الكتاب، ثم تكرر في فهرس الكتاب؛ لأنه لا تلازم في زماننا بين الكتاب والفهرس من وجوهٍ شتى معلومة، أشير هنا لبعضها:
أن المحقق حين ينتهي من العمل في الكتاب، ربما عَهِد لغيره من أهله وذويه بالقيام بعمل الفهارس ونحو ذلك، فيأتي الآخر فيقوم بعمله على أكمل الوجوه، وينقل ما أمامه، دون تمييز بين الصواب وغيره، خاصة إذا لم يكن من أرباب حرفة التحقيق.
ففي مثل هذا تتكرر الأخطاء بين صلب الكتاب والفهرس.
حتى إذا قام المحقق نفسه بعمل الفهارس: فإنه ينقل ما سبق له تحريره، ثقةً بنفسه وعمله السابق، ولن يعيد تحقيق الكتاب عند عمل الفهارس كما لا يخفى.
فربما وقف على المسألة تلو الأخرى فصوّبها، وربما نقل ما سبق له تحريره، بكل ما فيه من صواب وخطأ، فيقع التكرار بين صلب الكتاب والفهرس الخاص به.
فمثل هذا لا يصلح دليلاً على الاتهام والإنكار.
وهذا واقع مشاهد معروف بين الجميع.
وعلى المتكلِّم في كل أمرٍ أن يعرف واقعه المحيط به قبل الكلام فيه، حتى لا يقلب الأمور رأسًا على عقب.
ولذا فإن ترك الانتباه لمثل هذه الأمور المذكورة هنا: يُعدّ تدليسًا وتغريرًا وخيانةً ممن يفترض فيه العلم بها والإلمام بأطرافها، ويُعدّ عيبًا للمتكلم في هذا دون معرفةٍ بمثل هذه الأبجديات المُسَلَّمَة.
وبهذا الكفاية. والحمد لله رب العالمين.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:38 ص]ـ
ميزان الشدّة واللّين مع المسلمين عامة والمحققين خاصة
الأصل في معاملة المسلمين: هو اللين معهم، والذلة لهم، وعلى هذا نصّ القرآن الكريم، وبه جاءت السُّنَّةُ المطهَّرةُ.
ولا يخرج عن هذا الأصل إلا النادر أو الشاذّ المخالف للقاعدة الكُلِّيَّة العامة.
ومع هذا فلا يشذّ الشاذّ إلا لعلةٍ.
فإذا ظهرتْ على بعضهم بدعة، ورأينا في كلامه خروجًا عن صراط السُّنّة: أغلظنا له القول ولا كرامة.
وهنا يأتي تنزيل نصوص الشدّة أمثال: (بئس أخو العشيرة) ونحو ذلك.
فإذا تاب وأناب: يأتي أوان نصوص اللين والرفق (وما كان الرفق في شيء إلا زانه).
فالنصوص على جهتين: الأولى: نصوص الرفق.
والثانية: نصوص الشدّة.
فالأولى: هي الأصل، والثانية: فرعٌ على الأصل، قائمٌ على عللٍ، لا يوجد بغيرها، فهو يدور مع العِلَّة وجودًا وعدمًا.
¥