تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ينبغي أن نقطع بأهمية هذا الجهاز في تحسين الأعمال وتجويدها؛ لكنه يأتي دائما في دائرة ((التحسينيات)) لا ((الحاجيَّات) فالحاجيَّات اللازمة لطالب العِلْم: لا سبيل لها إلا أفواه العلماء، ومزاحمة الشيوخ، ولا شأن بمثل هذه المرحلة للحاسوب؛ بل ولا للكتب الورقية التي لا تقل خطرًا عن الإلكترونية الحاسوبية، وقد سبق تنبيه أهل العلم على ذلك في مباحث ((التصحيف، والصُّحُفُيَّة)) بما يغني عن إعادته.

فلابد في مرحلة الحاجيَّات والضروريات من الاعتماد على الإنسان في كافة الوجوه، وهي المرحلة التي تحتاج إلى إعْمال عقلٍ، ونباهة فِكْرٍ، وتفتيشٍ ذهنيٍّ عن أصول الكلام وأطرافه وما فوقه وتحته وبين سطوره.

ثم تأتي مرحلة المطبوعات والإلكترونيَّات بعد ذلك لتكمل المسيرة، وتُساهم في صياغة الحقيقة وصناعة القرار في قضية البحث، من خلال توفير المادة العلمية التي تخدم الباحث النّبيه في الوصول إلى حقيقته التي يُحَقِّقها، وغايته التي ينشُدها.

ونحن نقطع بأهمية المصادر والمراجع في الوصول إلى الصواب وتحصيل المعارف والعلوم، وهذا له موضع غير هذا يأتي التفصيل فيه إن شاء الله تعالى.

لكن ثمة مرحلة حاسوبية تلي هذا كله، وتأتي في نهاية المطاف، لم يقدرها بعض الناس قدرها، وتأتي أهمية هذه المرحلة الحاسوبية من جهاتٍ شتى؛ أهمها: ختمها لما سبقها من مراحل البحث، فهي الشاهدة على ما سبق، المُكَمِّلة له، أو الناقضة لأصوله وفروعه.

ومما يُؤْسَف له بحقٍّ أن أكثر الناس لم يضع هذه المرحلة في موضعها الصحيح، ولم يصل بَعْدُ إلى تحرير مدى أهميتها، وفَهْم أبعادِها.

ومع صِغَرِ هذه المرحلة إلا أنها من الخطورة بمكانٍ؛ لأنها تتحَكَّم في شكل الكتب والتحقيقات؛ بل وفي أحكام الناس على عمل المحقق وجهده في كتابه هذا.

فربما جرَّتْ على المحقق سعادة الْعُمر، وربما خَذَلَتْه فأسْقَطَتْه في بُؤْرَة الندم على ما كان، ولو لم يكن من أصحاب النفوس القوية فسيقطع صلته بالحاسوب على الفور.

ربما استنكر القارئ الكريم استطرادي في وصفها دون تسميتها وتعيينها حتى الآن؛ لكنني عمدًا وقصدًا أردتُ ذلك؛ ليعلم القارئ الكريم مدى أهمية هذه المرحلة وخطورتها على التحقيق والمحقق والكتب المطبوعة.

وهذا أوان الشرح؛ فأقول:

وقفتْ قدرةُ الحاسوب الفائقة على سرعة البحث من ناحية، وتزيين الكتاب المطبوع من ناحية أخرى: وقفت هذه القدرة وراء إعْجاب الكثيرين بهذا الحاسوب، واعتمادهم له في أعمالهم التحقيقية والتنضيدية (الكتابية والإخراجيَّة) للكتب على حَدٍّ سواء.

ومع تطاول الأيام، واكتشاف بعض الجوانب الخفيَّة في البرنامج الكتابي الشهير (( word)): وَجَدَ بعضُ المحققين بُغْيَتَهم في ضبط كُتُبهم، وتزيينها بحركات الإعراب، وإشارات الضبط، بعيدًا عن ((عناء الأسعار والتكاليف))، و ((أخطاء المراجعة والبروفات))، فصار من السهل على الواحد منهم أن يضبط الكلمة مرةً واحدةً فقط على طول الكتاب، حتى لو بلغ عشرات المجلدات، ويكفيه أن يضغط بيده على ((الجهاز)) ليرى كلمتَه مضبوطةً في جميع كتابه ضبطًا موَحَّدًا، كما أراده.

وبهذا اختصرَ بعضُ المحققين مراحل مديدة، في لحظاتٍ عديدة؛ وأصبح من السهل أن يضبطَ كتابًا كاملاً في لحظاتٍ قليلةٍ لا تُسَاوِي شيئًا.

وتكمن خطورة هذه المرحلة في ضبط وتشكيل الْمُحَرَّف مما يزيده تعقيدًا وتصويبًا، فلا ينتبه له محققٌ أو مراجعٌ في أي مراحل لاحقة من العمل، فيبقى كما هو على الخطأ، وإنما جَرَّهم إلى هذا: رؤيتهم له على الصواب، خاصةً إذا كان من الأمور المشهورة في الكتب.

ويَحْسُن التمثيل لذلك هنا بمثالٍ كنتُ ذكرتُه في موضعٍ آخر:

وهو حديثٌ يرويه أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جدّه مرفوعًا: ((ما نَحَلَ والدٌ ولدَهُ نُحْلاً أفضلَ من أدبٍ حسَنٍ)).

والحديث معروف في ((المسند)) لأحمد في مواضع منها (14977)، و ((سنن الترمذي)) (1952)، وغيرهما.

و (سعيد) قريبةٌ في الرسم والشبه من (شعيب)، و (عن) و (بن) يكثر التبديل والتحريف بينهما، فلو صارت (بن عمرو) التي هنا: (عن عمرو) لصار الخبر من رواية: أيوب بن موسى (عن) عمرو بن سعيد عن أبيه عن جدِّه.

لكننا نعلم رسم الإسناد المشهور: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير