ولم يعد الفرق بينه وبين الإسناد الذي عندنا بعد تحريف (بن) إلى (عن) إلا في (سعيد) و (شعيب)، وهذه إن لم يقلبها القلم فسيقلبها الذهن على الفور إلى (شعيب) ليخرج الحديث من مسندٍ إلى آخر.
وإنما أوقع الراوي في هذا: التشابه في رسم الإسنادين، خاصة بعد التحريف، مع شهرة الإسناد الجديد في الكتب.
لكن لا زال الباب مفتوحًا لاكتشاف الخطأ حتى يُغْلقه الحاسوب بمرحلته ((الاستبداليَّة)) التي يضبط لنا فيها ((شُعَيْب)) المحرفة عن ((سعيد)) فيزيد الأمر بُعْدًا، ويُغْلق علينا ((خطَّ الرجوع)) أو باب الاكتشاف.
وهذا مما ينطلي على كثيرٍ من أهل العلم والفضل، واكتشافه بعد هذه المراجل السابقة: يحتاج إلى توفيقٍ من الله عز وجل، وتكمن خطورته لو كانت المرحلة الحاسوبية ((الاستبداليَّة)) قد جاءتْ في وقتٍ متأخرٍ من مراحل العمل بحيث لو تَخَطَّتْ مرحلة القراءة التي يقوم بها المحققون في آخر أعمالهم فلن تُمْسَك مرةً أخرى، وغالبًا ما تتخطَّى هذه الأخطاء الحاسوبية ((الاستبداليَّة)) أو بعضها تلك المرحلة المشار إليها، ويرجع السِّر في هذا التخَطِّي إلى أمرين: الأول: صعوبة اكتشاف الخطأ خاصة مع مشابهتِه لصوابٍ مشهورٍ (يراجع مقالي: أثر التشابه بين الخطأ والصواب في الرسم)، الثاني: ثقة المحقق باستبدالاته السابقة، خاصة مع الثقة فيها لحاسوبيَّتِها، فهي في رأي الكثيرين: ((فوق مستوى الشبهات والأخطاء)).
والحقُّ أننا لا نقدح في غلبة صواب الحاسوب، لكنَّه ليس وحيًا من السماء لا يتسرب إليه الخطأ، وإنما يخضع لظروفٍ وأحوال قد يقع فيها التبديل من نظام الجهاز نفسه بناءً على أمورٍ نظاميَّة يعرفها أهل المعرفة الحاسوبية التي تتجاوز مراحل ((الويندوز والأوفيس)) إلى مراحل تقرير الخطأ والصواب ومعرفة ما وراء مثل هذه البرامج الاعتيادية المشهورة، من خلال لغات الحاسبات أو برامج البرمجيات المتَقَدِّمَة التي لا تتوقف على أنظمة التشغيل المشهورة للحاسبات.
لكننا نقطعُ بقلَّةِ مثل هذه الأخطاء، لكن لا ننفيها، ولا نقلل من خطورتها.
وأكثر الأخطاء التي تتسرَّب إلى الأعمال الحاسوبية تنشأ عن خللٍ في التعامل مع الجهاز من ناحية، ومع الْمُدْخَلات الحاسوبية من ناحيةٍ أخرى.
فيلزم مَن يصنع شيئًا على الحاسوب أن يبدأ بأمرين: الأول: معرفة كيفية مسالك الحاسوب ودروبه، والثاني: كيفية الصياغة لما يريد باستخدام الحاسوب.
ولا تكفي إحدى هاتين المعرفتين عن الأخرى، وإنما نشأ الخلل لدى الكثيرين من الاغترار بأحدِ هذين الأمرين، دون درايةٍ وعِلْمٍ بالأمر الآخر.
ومن هنا رأينا كثيرًا من المحققين قد اغْتَرَّ بأصول ((الاستبدالات الحاسوبية: العامة أو الخاصة))، فبدأ باستخدامها، وهذا جميلٌ، لكن الأجمل منه: أن يعرف هؤلاء كيفية استخدام مثل هذه ((الاستبدالات))، وما قد تجلبه عليهم أو على أعمالهم.
وقد رأينا كيف زادتْ مثل هذه المراحل ((الاستبداليَّة)) من تعمية الخطأ، ومنعتْ من اكتشافه وتصويبه، رغم حقارته (تفاهته).
ويحسُنُ التمثيل للشرح والبيان:
كتاب ((مسائل الإمام أحمد)) رواية أبي داود، تبدأ أكثر مسائله وفقراته بعبارة موحَّدَةٍ نصها: ((سمعتُ أحمدَ سئلَ))، وفي أخرى: ((قلتُ لأحمدَ))، وهكذا.
فنرى عند النظر فيه بعين الحاسوبيِّ الخبير، والمحقق العارف، أن ثمة استخدامًا للعملية الحاسوبية ((الاستبداليَّة))، ويظهر ذلك من خلال تكرار رسم وضبط عبارات وكلمات بعينها على طول الكتاب، من أمثلة: ((سمعتُ أحمدَ سئلَ)) كما في أرقام (11، 12، 15، 19، 24، 26، 27، 28، 34، 35، 37) في نحو عشر صفحاتٍ فقط من أول الكتاب، ويمكن للقارئ أن يستكمل بقيَّتَه، ولم استطرد ببيان الأرقام منعًا للمضايقةِ، فالمراد هنا التمثيل لا الاستقصاء.
ومن أمثلة ذلك أيضًا في الكتاب المذكور: ((قلتُ لأحمدَ)) كما في الأرقام (40، 45، 47، 50، 52، 54، 61، 63) في نحو خمس صفحاتٍ فقط.
ومثل ذلك أيضًا: قوله: ((سألتُ أحمدَ)) ((سمعتُ)) ((رأيتُ)) وغيرها من الألفاظ التي التقطُّها من الكتاب المذكور على عَجَلٍ، وإنما أردتُ التمثيل والبيان.
¥