ونحن نقطع أن كلَّ إنسانٍ منَّا يملك أمرًا إبداعيًّا لا يملكه الآخر، ولذا رأينا الإسلام يُكَمِّل جميعَنَا من جميعِنَا، ويُقَرِّر أننا جميعًا كالجسد الواحد، وكان التعبير بالجسد كافيًا؛ لكنَّه أضاف إليه تفصيلاً زائدًا فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا اشتكى منه عضوٌ تَدَاعَى له سائر الأعضاء بالسَّهر والْحُمَّى)).
ولاشك أن تداعي الأعضاء لبعضها بالسهر والْحُمَّى من مستلزمات الجسد الواحد؛ فهذه بعض خصائص الجسد العامِّ؛ فماذا لديكم في هذا يا علماء الإسلام؟
يقول أهلُ العلم في مثل هذا: إِنَّ ذِكْر الخاصِّ بعدَ العامِّ يدلُّ على التَّعْظيم.
فدلَّ ذلك على تعظيم هذه الخاصِّية الجسديَّة من بين باقي الخصائص الجسديَّة، وهذا معنًى شريفٍ جدًّا، وتنبيه رائع على ضرورة التعاون، خاصةً في أمور الشكوى والألم.
ولاشكَّ أن الخطأ أَلَمٌ للقارئ الذي لا ذنبَ له، وللمخطئ الذي لم يكن يقصد مثل هذا الخطأ، وقد حُرِمَ بسببه أجرًا ثانيًا هو في أشدِّ الحاجة له يوم القيامة، وهو أَلَمٌ للأمة التي تحرص على الإبداع والإصابة الدائمة، وهو قبل هذا وبعده: مخالفٌ لأصل ((الإصلاح)) الذي أَتَى به الإسلام، فالخطأ أَلَمٌ من كل الوجوه، وَشَكْوى ظاهرة، فوجب فيه التَّداعي والتأَلُّمِ.
ونحن نقطع أن إغفال مثل هذه الأمور الحاسوبية التي يمكن لنا الاعتذار بها عن إخواننا: منافٍ تمامًا لمبدإ الألم للمسلمين، والتشَكِّي بشَكَوَتِهم.
نحن نقطع أن حبَّ الشهرة على حساب بعضنا: منافٍ للتأَلُّم للمسلمين.
نقطع أن قسوة بعضنا على بعضنا: منافية للتَّأَلُّمِ.
نعودُ إلى الحاسوب وقضيته:
أقول: ونحن إذا لم نُبَرِّر لأحدٍ الخطأ، ولم نرْضَ به، لكن يجب أن نعرف جهة الخطأ، ونُقَيِّم عمل الناس من خلاله، لا من خلال نتائج الخطأ، وكذا نُنْكِر على قَدْر الخطأ، ومَنْ لم نَرْضَ عنه اليوم قد يُرْضِينا غدًا أو بعدَ غَدٍ، أو قد يرضى عنه غَيْرُنا، وهكذا.
وكما أن العملية ((الاستبداليَّة)) قد زادتْ الخطأ تعقيدًا: فينبغي علينا الحذر عند نقدِ الناس، فربما نشأ الخطأ عن مثل هذا السلوك، فنقع في رجالٍ أفاضل لا ذنب لهم سوى الاغترار بمثل هذه المراحل الحاسوبيَّة.
ونحن لا نُبَرِّر لهم ولا لغيرهم مثل هذا الاغترار، لكنَّا نقول: ينبغي أن يكون الإنكار هنا على قدر ما جرى، لا على قدر ما نتج عن الخطأ، خاصةً إذا كُنَّا نقطع بصدْقِ هؤلاء وانتمائهم للسنةِ، فلا يليق بنا في مثل حالتِنَا أَنْ نرميهم بحراب ألسنتنا، وعلينا أن نتعاون معهم في الاستدراك والتعليم، وتحسين الأعمال وتجويدها، وحُسْن الاستفادة من الأخطاء السابقة.
ونقطع هنا: أَنَّ النَّقْد والتَّلْبيس بمثلِ هذه الأمور بعد الوقوف عليها من خلال الخبرة والمعرفة الحاسوبية: يُعَدُّ تغريرًا بالأمة، وخيانةً لأمانة العلم، وانتهاكًا لِحُرْمَة الكلمة.
وبهذا الكفاية. والحمد لله ربِّ العالمين.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 11 - 04, 03:45 ص]ـ
العقل الإنساني هو الوحيد الذي يملك حقّ الإبداع ويحتكره دون سائر الأعضاء البشرية أو الحيوانية أو المخترعات الأرضية التي تطالعنا بها الأمم بين يوم وآخر، ولذا كانت العناية بالعقل الإنساني وتنمية قدراته أولى وآكد من العناية بتَمَلُّكِ المخترعات الحديثة وتحديث قدراتها حسب مستجدات الصناعة ولوازم التطور الدائم.
ومع هذا فلا يشك أحدٌ في تلك الثورة المعلوماتية الهائلة التي أفرزتها شبكة المعلومات وغيرها من توابع اختراع الحاسوبات واعتماد العمل بها في شتى المجالات الإنسانية.
وكان التحقيق كغيره من المجالات التي دخلها الحاسوب من أوسع أبوابه، سواء في تنضيد الكتب والعناية بها وبوضع الفهارس لها، أو بما جَدَّ من موسوعات حاسوبية هائلة القدرة والإمكانيات في تذليل طرق البحث العلمي والوقوف على كثير من أطراف الموضوعات.
لكن يبقى الحاسوب عاجزًا عن جمع كافة مفردات البحث الواحد في مكان واحدٍ؛ لأنه في أول أمره وآخره آلة تعمل بالكهرباء وتنقطع مع انقطاع التيار، وتقف حدودها عند حدود موجهها والقائم على إعطاء الأمر لها.
ومن هنا جاءت الحاجة إلى إبراز دور العقل الإنساني وضرورة الرجوع إليه، مع بيان ما للحاسوب وما عليه.
¥