تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثاني عشر: مع أن كل رسالة أو مقالة كتبها في هذا الفن كانت في الأصل لبيان الحق لقائل أو كاتب بعينه، فتراه يناقش عباراته مناقشة وافية إلا أن هدفه – رحمه الله – كان أسمى من الرد على فلان أو علان، إذ تلاحظ حرصه أثناء ذلك على توجيه الناس للعلم الشرعي والتمسك بالعقيدة الصحيحة، ودعوتهم إلى الخير وطرقه، وتحذيرهم من الشر وأساليبه، وتذكريهم بمكر الأعداء وحيلهم، وتقديم النصح للإعلاميين ومن على شاكلتهم، ودعوة الحاكم والرؤساء لتحكيم الإسلام في بلدانهم، وسنكتفي هنا بذكر بعض نصائحه للإعلاميين التي ضمنها في ردوده على بعض الكتاب، فمنها قوله – بعد أن نبه على مزالق وقعت بها إحدى الكاتبات:" فيجب أن ننزه أقلامنا من الوقوع في مثل هذه المزالق امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كمالاً للتوحيد وابتعاداً عما ينافيه أو ينافي كماله، ووسائل الإعلام – كما هو معروف – واسعة الانتشار، وعظيمة التأثير على الناس، وكثرة ترديدها لمثل هذه الكلمات ينشرها بين الناس، ويجعلهم يتساهلون في استعمالها، وخاصة النشء مع ما في استعمالها من المحذور "وقال عقب تعليقه على قصيدة نشرتها إحدى الصحف وتضمنت مخالفات عقدية، قال:" والواجب على جميع القائمين على الصحف من أهل الإسلام ألا ينشروا ما يخالف شرع الله عز وجل، وأن يتحروا فيما ينشرونه ما ينفع الأمة ولا يضرهم في دينهم ودنياهم، وأعظم ذلك خطراً ما يوقع في الشرك وأنواع الكفر والضلال ... ". وحينما كتب أحدهم مقالاًُ ينتقد فيه تصرفات بعض أهل الحسبة وجهه بقوله:" وكان الواجب على الكاتب حين بلغه عنهم ما يعتقده خلاف الشرع أن يتصل بأعيانهم مشافهة أو كتابة، ويناصحهم فيما أخذ عليهم أو يتصل بسماحة المفتي أو رئيس الهيئات، ويبدي ما لديه حول الإخوان من النقد حتى يوجههم المشايخ إلى الطريق السوي. أما أن يكتب في صحيفة سيارة ما يتضمن التشنيع عليهم، والحط من شأنهم، ووصفهم بما هم براء منه فهذا لا يجوز من مؤمن يخاف الله ويتقيه، لما في ذلك من كسر شوكة الحق والتثبيط عن الدعوة إليه، والتلبيس على القراء، ومساعدة السفهاء والفساق على باطلهم، وعلى النيل من دعاة الحق ... ".

وهكذا من خلال النقاط السابقة تبين لنا الأصول والضوابط التي كان يسير عليها الشيخ في تعامله مع المخطئين، ومناقشته للمخالفين وحواره مع المجتهدين. وقد توصلنا إليها بعد استقراء وتأمل لما وقع تحت اليد من آثار له في هذا المجال، واللافت للنظر أن هذا المنهج بأصوله وضوابطه يكاد يكون ثابتاً عنده سواء ما أملاه قديماً، أو ما صدر عنه في السنوات الأخيرة، فلم يزحزحه عنه تشنج كاتب أو تحامله، ولا عناد مخالف أو تعصبه. كما لم يؤثر عليه فيه تقلب الأحوال، ولا تبدل الوجوه، فيا ترى ما الذي أكسب الشيخ – رحمه الله – ذلك المنهج؟ إن الإجابة على مثل هذا السؤال تفيدنا في اقتفاء أثره، وترسم خطاه لا نتهاج منهجه، فهي تتعلق بعلم من الأعلام الذي عاش بيننا عمراً مديداً يُعلم ويُناصح ويدعو ويُدافع، فكان له حضوره المؤثر سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وليس فقط في الداخل وإنما تعدى أثره إلى الخارج.

على ضوء ما قرأته وعرفته من حياة الشيخ – رحمه الله – ومآثره وآثاره، أستطيع أن أرد تملكه ذلك المنهج إلى عدة أمور توفرت له، وتميزت بها شخصيته، منها تعمقه بالعقيدة السلفية الصحيحة، فالعقيدة المستمدة من الكتاب وصحيح السنة كانت أحب العلوم إليه – كما نقل على لسانه -، فصار مرجع الجميع في الدقيق منها والجليل، ولا ريب أن التعمق بالعقيدة السلفية زوده بمنهج أصيل في التعليم والكتابة والتعامل وغيرها، وعصمه – بعد الله تعالى- من التقلب حسب ما يطرأ من ظروف. ومن الأمور التي توفرت له –أيضاً- علمه الواسع بالسنة المطهرة من حيث المتون وما يرتبط بها من علوم حتى أصبح حكمه على الحديث بالصحة والضعف محل اعتبار واحترام، فاستفاد من هذا العلم فكرياً وكذلك علمياً إذ طبقه على نفسه، والذين جالسوه وعاشروه يدركون ذلك. وقد سئل مرة ما الشخص الذي تأثرت به فأصبحت بهذه الرحابة من سعة الصدر والصبر في حل مشاكل الناس والتعامل معهم؟. فأجاب": الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهو قدوتنا، وهو الأساس في هذا، فكان تحمله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير