تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذن العالم قد يخصّ في حالة معينة بفتوى لو قيل له إنها ستنتشر لا يفتي بتلك الفتوى، وهذا مما ينبغي للسائل أن يرعاه، فيكون الأدب في ذلك أن تخبر العالم أنّ هذا السؤال خاص بي في مسائل التوحيد والعقيدة، أو أنّه سيبعث إلى بلد كذا وكذا وينتشر، أو نتدارسه نحن والإخوان وسنرتب عليه كذا وكذا في عمل في إنكار منكر إلى آخره، فهذا يختلف.

وبعض السائلين -وحصل مرارا، وأنا أدركت بعض هذه الأشياء مع الأسف- أنه يعتقد من الذكاء أن يُبهم السؤال ويستغفل العالم فيسأله حتى يقع في جواب، هو ما أوضح له الصورة، فيقول: مثلا إذا حصل من واحد أنه قال كذا وكذا فهل يكون مرتدا أم لا؟ هل يكون مبتدعا أم لا؟ هل يكون فاسقا أم لا؟ بعض العلماء خاصة بعد ما مرت تجارب يستفصل أو قد لا يجيب على السؤال، وبعضهم قد يجيب على ظاهره باعتبارها مسألة علمية عامة، لو سئل عن تنزيلها في الواقع ربما اختلف جوابه، فهذا من المهم أن تتبيّنه قبل السؤال، وأنْ لا تلغز أو تبهم وتظن أن هذا من الذكاء أو أنك أخذت منه جوابا، في الواقع أنت تأثمت بما ستنقل وتأثمت بوضع العالم، وقد حصل كما رأى بعضكم كثير من الاختلاف في الفتاوى في فترة مضت، هذا ينقل كذا وهذا ينقل كذا، وكثير منها راجع إلى أنّ السائل ما أعطى العالم الحقيقة في ما وراء كلمات سؤاله، إنما سأل سؤال عام ذلك ظنّ أنها مسألة علمية وما استفصل منه فأجاب على أنها مسألة علمية، فهذا ما راعى الآداب والتفريق بين المسألة العلمية وتطبيقها في الواقع، فلهذا أخذ هذا الجواب وحصل من الاختلاف والآراء المتضاربة ما حصل لأجل هذه المسائل.

إذن إذا كانت المسألة عقدية أو كانت المسألة فقهية فلابدّ أن ترعى الأدب فيها، وأن تفرق حين تسأل السؤال بين أن تكون شخصية أو عامة، وأن تبين ذلك للعالم الذي تسأله.

أحوال السّؤال

السّؤال له أحوال، سؤال المسجد -بعد المحاضرة- يختلف عن سؤال المسجد بعد ما ينصرف العالم من الصلاة، يختلف عن السؤال في الجامعة، يختلف عن السؤال في درس يلقيه العالم، يختلف عن السؤال فيما إذا كان راكبا سيارته -يسمع بسرعة ويجيب-، فهذا السائل يأتي راغبا -ما شاء الله- والمسؤول يأتي يريد أن ينتهي؛ مثلا ألقى محاضرة زمنها كذا وكذا فهو يريد أن يكون الجواب على نحو ما، يأتي يسأل سؤالا هكذا عرضا ويأتيه الجواب فيأخذ هذا الجواب وهو صادق في أنّ العالم أجابه، لكن غير صادق في أنّ العالم فهم ما أراده بأبعاده وما وراء كلمات السؤال، ولهذا ينبغي أن نفرق -رعاية للأدب وإبراء للذمة- بين أحوال؛ السؤال سؤال المسجد بعد محاضرة له حال، سؤال المسجد بعد الإمامة له حال، سؤال بعد درس من الدروس في مجلس من مجالس العلم في الفقه أو في التوحيد له حال في الإجابة والاستفصال والرد إلى آخره، سؤال الجامعة، سؤال الهاتف له حال، سؤال السيارة له حال وغير ذلك من الأحوال.

وقد ذكر لي بعض كبار السن أنه أراد مرة أن يسأل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله سؤالا في السيارة فأجابه الشيخ قائلا: إنّ السيارة ما فيها فتاوى إذا رُحنا إلى البيت فادخل واسأل أو إذا كنا في المسجد ادخل واسألني فيه. لماذا؟ لأنه راكب معه في السيارة فيعرض له أشياء هذا مرّ وهذا يسلّم وهذا ... والمفتي ينقل عن الله جلّ وعلا وموقع عن رب العالمين حينما يجيب يقول: هذه فتوى الله جلّ وعلا في المسألة. ?يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ? [النساء:176]، هذا كلام الله جلّ وعلا، هذا حكم الشرع، فالمسألة عظيمة، ولهذا كثير من السلف هاب السؤال وردّ السائل وتردد، وتردد وقال: لا أدري. كثيرا، الإمام مالك رحمه الله كان يسأل ويجيب لا أدري وهو أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، أتاه سائل من مِصْرٍ بعيد قال: يا أبا عبد الله أتيتك من بلد كذا وكذا من أبناء لك أو إخوان لك يحبونك وحملوني أربعين مسألة، فقال مالك سَل فسأل المسألة الأولى فقال الإمام مالك: لا أدري، والثانية: لا أدري، والثالثة: لا أدري، أجاب عن سبع مسائل أو قيل أربع مسائل، وفي ثلاث وثلاثين أو ست وثلاثين مسألة قال: لا أدري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير