تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى و دين الحق الذي لا فلاح لها و لا سعادة في معاشها و معادها إلا به و متى فاتها علمه شقيت في الدارين.

الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه و إلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه و تعليمه من لا يعلمه و إلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات و لا ينفعه علمه و لا ينجيه من عذاب الله.

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله و أذى الخلق و يتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق و يعمل به و يُعلِّمَه فمن علم و عمل و عَلَّمَ فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.

الثاني: ما جعلها الله تعالى جزاء لمن لا يصلح لأن يحمل هذا العلم و لا أن يكون من الربانيين لأنه هو اختار ذلك لنفسه (و لا يظلم ربك أحدا) (ذلك بما قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد) الأنفال 51 (من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد) فصلت 46

قال إبن القيم رحمه الله تعالى: (و ليس من منع فضله ظالماً، لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه و لا يليق به).

و قال في شفاء العليل: (و إن حكمته سبحانه تأبى أن يضع التوفيق في غير محله و عند غير أهله، فالله أعلم حيث يجعل هداه و توفيقه و فضله، و ليس كل محل يصلح لذلك، و وضع الشيء في غير محله لا يليق بحكمته). إه

و قال أيضا في شفاء العليل: فالله سبحانه إنما يضع فضله و توفيقه و إمداده في المحل الذي يصلح له، و ما لا يصلح له من المَحال يدعه غفلا فارغا من الهدى و التوفيق فيجري مع طبعه الذي خُلق عليه (و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون) إهـ

و عدم الإسماع يشمل صنفين من الناس:

الأول: قوم لم يوفقوا للطلب و لم ينالوا من العلم شيئا ابتداءً لسابق علم الله تعالى فيهم أنهم ليسوا أهلا للخير و للنيل من شرف العلم، فالله سبحانه و تعالى يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون، فمن يرد الله به خيرا يوفقه لذلك بأن ييسر له أسباب و سبل الوصول إليه، و من يرد به غير ذلك عسر عليه مباشرة أسباب الخير و شغله بنفسه و بأمور تصرفه عن تحقيق مراده، و الشواهد على ذلك من الكتاب و السنة كثيرة، منها قوله تعالى {و لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة و لكن كره الله انبعاثهم فثبطهم و قيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم و الله عليم بالظلمين} التوبة 46/ 47

قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: قال ابن عباس: يريد خذَّلهم و كسَّلهم عن الخروج ..... إلى أن قال (أي ابن القيم): فلما تركوا الإيمان به و بلقائه و ارتابوا بما لا ريب فيه و لم يريدوا الخروج في طاعة الله، و لم يستعدوا له و لا أخذوا أهبة ذلك، كره سبحانه انبعاث من هذا شأنه، فإن من لم يرفع به و برسوله أو كتابه رأسا و لم يقبل هديته التي أهداها إليه على يد أحب خلقه و أكرمهم عليه و لم يعرف قدر هذه النعمة و لا شكرها بل بدلها كفرا فإن طاعة هذا و خروجه مع رسوله يكرهه الله سبحانه فثبطه لئلا يقع ما يكره من خروجه و أوحى إلى قلبه قدرا و كونا أن يقعد مع القاعدين. ثم أخبر سبحانه عن الحكمة التي تتعلق بالمؤمنين في تثبيط هؤلاء عنهم فقال: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) و الخبال: الفساد و الإضطراب، فلو خرجوا مع المؤمنين لأفسدوا عليهم أمرهم فأوقعوا بينهم الإضظراب و الإختلاف. إه بتصرف.

قال القرطبي رحمه الله: فتركهم الإستعداد دليل على إرادتهم التخلف.

فيا من شغله الله بأمور دنياه و هو مصر على أن ينافس الأخيار و يأخذ ما ليس له، احمد الله و ارض بما قسم لك و دع العلم لمن يستحقه إن كنت مصرا على تعاطي أسباب الخذلان، لم الضجر يا أخي و قد عزمت على الطلب و أنت لم تتأهب و تشمر للسير! ألم تعلم أن ذلك من دواعي الخذلان! لم الضجر و قد علم الله أنك لو خرجت لطلب العلم لفسدت و أفسدت! و هو أحكم الحاكمين.

يا من رام النيل من شرف العلم و لم ينل منه شيئا فجعل ينحى باللائمة على كل ما خطر على باله إلا على نفسه! هلا كنت منصفا و حاسبت نفسك التي بين جنبيك أولا عوض الخوض في تبعات ما جنته هذه النفس؟ هل و قفت مع نفسك وقفة صادقة مفكرا و سائلا نفسك: إن كنت تريد طلب العلم للعمل به فماذا عملت بما علمت حتى يكون ذلك دليلا على صدق ما تريد؟ و إن كنت تظن أنك عازم على الطلب فماذا أعددت له؟ و الأسئلة كثيرة أنت الأقدر على الإجابة عليها - إن كنت من الصادقين - لأنك أنت أعلم بنفسك من غيرك!

سيأتي ذكر الصنف الثاني إن شاء الله، و هو بيت القصيد و الله المستعان.

يتبع ....

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير