تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعظمك وهُوَ هُوَ، وتهمل أمره وأنت أنت، هو حطّ رتب عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجُدها لك.

ما أوحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان بينا يكون بحضرة الحق، وملائكة السماء سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات بالمبدأ والمآل، إلى أن يوجد ساجداً لصورة في حجر، أو لشمس أو لقمر، أو لشجرة من الشجر، ما أوحش زوال النعم، وتغيّر الأحوال، والحور بعد الكور. [8].

ولقد كان نبينا محمد يربي أمته على وجوب تعظيم الله - تعالى - ففي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، إنّا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي-صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ... ] [الزمر: 67]. وما في الآية يدل على أن عظمة الله - تعالى - أعظم مما وصف ذلك الحبر، ففي الآية الكريمة تقرير لعظمة الله - تعالى - نفسه، وما يستحقه من الصفات، وأن لله - عز وجل - قدراً عظيماً، فيجب على كل مؤمن أن يقدر الله حق قدره [9].

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عند هذه الآية الكريمة: ما ذكر الله - تبارك و تعالى - من عظمته وجلاله أنه يوم القيامة يفعل هذا، وهذا قَدْر ما تحتمله العقول، وإلا فعظمة الله وجلاله أجل من أن يحيط بها عقل ... فَمَن هذا بعض عظمته وجلاله كيف يُجعل في رتبته مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًّا؟ [10]. ولما قال الأعرابي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -: فإنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله، سبحان الله! فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه [11].

وقد اقتفى الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان هذا المسلك، فعظّموا الله حق تعظيمه، وعُمرت قلوبهم بإجلال الله - تعالى - وتوقيره: فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول لبعض أصحاب المراء والجدل: أما علمتم أن لله عباداً أصمتهم خشية الله - تعالى - من غير عيّ ولا بكم، وإنهم لَهُمُ العلماء العصماء النبلاء الطلقاء، غير أنهم إذا تذكروا عظمة الله - تعالى - انكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استفاقوا من ذلك، تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية، فأين أنتم منهم؟. [12]

وكان أهل العلم يعظمون ربهم، ويقدرونه - عز وجل - حق قدره، حتى قال عون بن عبد الله: ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا [13].

ويقول الخطابي: وكان بعض من أدركنا من مشايخنا قلّ ما يذكر اسم الله - تعالى - إلا فيما يتصل بطاعة [14].

وكان أبو بكر الشاشي يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم في الله - تعالى - إجلالاً لاسمه - تعالى -، ويقول: هؤلاء يتمندلون [15] بالله - عز وجل -[16].

ومن أروع الأمثلة التي دوّنها التاريخ عن سلفنا الصالح، وتعظيمهم لله عزّ وجلّ، ما وقع لإمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله - تعالى - لما سأله أحدهم عن قوله - تعالى -: [الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى] [طه: 5] كيف استوى؟.

فما كان موقف الإمام مالك إزاء هذا السؤال؟ يقول الراوي: فما رأيته وجد غضب من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء العرق، وأطرق القوم، فجعلوا ينتظرون الأمر به فيه، ثم سُرّي عن مالك، فقال: الكيف غير معلوم، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإنى لأخاف أن تكون ضالاًّ، ثم أُمر به فأُخرج. [17]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير