فقال لي: تحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلت: نعم، هذا رواه المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، وينزل الله عزوجل في ظُلل من الغمام ـ وذكر الحديث بطوله ـ وقال فيه: ((فيأتيهم الله تبارك وتعالى فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: لنا إله. فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، بيننا وبينه علامة، إن رأيناها عرفناه. قال: فيقول: ما هي؟، فيقولون: يكشف عن ساقه. قال: فعند ذلك يكشف عن ساقه، قال: فيخرّ كل من كان بظهره طبق، ويبقى قوم ظهورهم كأنها صياصي البقر، يريدون السجود فلا يستطيعون، {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:43]، في حديث فيه طول، وقد روي أيضا من طريق أبي سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري؟.
فقلت له: هذا في صحيح البخاري، فليس من شرطه أبو هارون العبدي، لضعفه عنده، وعند أئمة أهل العلم، ولم يحضرني إسناده في وقت كلامي له.
وأخرجته من صحيح البخاري كما ذكرته: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد المقرىء ـ يعرف بالنقّاش ـ قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا آدم قال: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكشف ربنا تبارك وتعالى عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد له في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً)).
ثم قال لي: وتقول بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيت ربي))
فقلت له: رواه حمّاد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: حمّاد بن سلمة ضعيف. فقلت: من ضعّفه؟ فقال لي: يحيى القطّان.
فقلت له: هذا تخرّص على يحيى، لم يقل يحيى هذا، وإلاّ فمن حدّثك؟ فلم يقل مَن حدّثه.
وقال لي: أيما أثبت عندك، حّماد بن سلمة أو سماك؟ قلت: حمّاد بن سلمة أثبت، وسماك مضطرب الحديث.
فنازعني في هذا، والذي أجبته به: بأنَّ حمّاد بن سلمة ثقة، وسماك مضطرب الحديث، وهو جواب أحمد فيهما، ولم أدر ما أراد بسماك. وخرجنا من ذلك ولم أسأله.
ثم قلت له: هذه الأحاديث تلقاها العلماء بالقبول، فليس لأحد أن يمنعها، ولا يتأوّلها ولا يسقطها، لأنَّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لها معنى عنده غير ظاهرها لبيّنه، ولكان الصحابة ـ حين سمعوا ذلك من الرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ سألوه عن معنى غير ظاهرها، فلمّا سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا، ونقبل طوعاً ما قبلوا.
فقال لي: أنتم المشبّهة.
فقلت: حاشا لله، المشبّه الذي يقول: وجه كوجهي، ويد كيدي، فأمّا نحن فنقول: له وجه كما أثبت لنفسه وجها، وله يد كما أثبت لنفسه يداً، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، ومن قال هذا فقد سلم.
ثم قلت له: أنت مذهبك أنَّ كلام الله عزوجل ليس بأمر ولا نهي، ولا متشابه، ولا ناسخ ولا منسوخ، ولا كلامه مسموع، لأنَّ عندك: الله عزوجل لا يتكلم بصوت، وأنَّ موسى لم يسمع كلام الله عزوجل بسمعه، وإنما خلق الله عزوجل في موسى فَهْمًا فَهِمَ به، فلمّا رأى ما عليه في هذا من الشناعة قال: فلعلّي أخالف ابن الكلاّب القطان في هذه المسألة من سائر مذهبه.
ثم قلت له: ومن خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في سندها، ولا جرح في ناقليها، وتجرّأ على ردّها، فقد تهجّم على رد الإسلام، لأنَّ الإسلام وأحكامه منقولة إلينا بمثل ما ذكرت.
فقال لي: الأخبار لا توجب عندي عِلْمًا.
فقلت له: يلزمك على قود مقالتك: أنّك لو سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وسعدا وسعيدا وعبد الرحمن بن عوف وأبا عبيدة بن الجراح يقولون: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، أنّك لا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذلك شيئا، لقولهم (سمعنا). فلم ينكر من ذلك شيئا غير الشناعة.
¥