هذا والاستكثار من الحسنات ضرب من ضروب التوبة والاستغفار لذلك تُقْرَنُ الأعمال الصالحة بالتوبة في العديد من الآيات القرآنية فلا تعارض بين وجوب التوبة والاستغفار مع القول بتكفير السيئات بالحسنات، لأنّ التوبة والاستغفار محلها القلب واللسان والجوارح، والعمل الصالح جزء منها، لذلك فمن استغنى بظاهر الحسنات عن حقيقة التوبة والاستغفار فقد أسقط عن نفسه فرض التوبة والاستغفار ورضي قلبه به واعتقده وهذا لا شك في بطلانه من جهة المعتقد والعمل، وأنّه من الكبائر العظيمة وطريق من طرق الكفر، لأنّه يتضمن الإيمان ببعض الشريعة والكفر ببعضها وقد جاء في الحديث: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (6 - أخرجه مسلم:12/ 16، من حديث عائشة رضي الله عنها (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_6')))
وعلى التائب أن يناسب بين الحسنة والسيئة فلا يترك الفرائض والواجبات بدعوى فعل الحسنات المكفِّرات، فإنّ تكفير هذه السيئات يحصل بتداركها والقيام بها إن لم يسقط وجوبها أو يتعذر تداركها، أمّا الاستمرار على تركها مع الاتكال على تكفيرها بالعمل الصالح من غير جنسها فذاك سبيل المغرورين ممن خدعهم الشيطان بمكره وصدهم عن سبيل المتقين.
· الأذى الذي يلحق المؤمن: فالأذى الذي يصاب به المؤمن في نفسه وماله وأهله هو من مكفرات الذنوب والخطايا كما ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" (7 - أخرجه البخاري:10/ 103، ومسلم برقم (2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_7')))، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: ?ومَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ? [النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغا شديدًا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا" (8 - أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (6734)، والترمذي:5/ 247، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:3/ 266، وفي تخريج الطحاوية: (90) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_8')))، وثبت -أيضًا- من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" (9 - أخرجه البخاري:10/ 111، ومسلم برقم (2571)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_9'))) والأجر والثواب يكون بقدر المصيبة والنصب فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ لَكِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ" (10 - أخرجه الدارقطني: (1762)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب:2/ 1116 (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_10'))).
ففي طرق الخلاص من الذنوب والخطايا أملٌ عظيم في فضل الله العميم، حيث يبعث في نفس المسلم الأمل المشرق ويحملها على فعل الخيرات وترك المنكرات ويدفعها إلى الطاعة من غير تهاون ويوطّنها على العمل ضمن مراقبة الله وعلمه ومحاسبة نفسه، إذ هما من طرق إصلاحها وتأديبها وتطهيرها، فإلزام المسلم نفسه بمراقبة الله تعالى حتى يتم لها اليقين بأنّ الله تعالى عليها رقيب فهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى: ?وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى? [لقمان: 22] كما أمر بمحاسبة النفس على ما قدّمت لغدها المنتظر قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ? [الحشر: 18].
هذا، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه بالتأديب جهادًا متواصلاً حتى تطمئنّ نفسه وتطيب ليكون أهلاً لمحبة الله ورضاه، قال تعالى: ?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ? [العنكبوت: 69].
هكذا درب الصالحين من هذه الأمة يسعون جاهدين إلى الخلاص من الذنوب والمعاصي بالتوبة والاستغفار والاستكثار من الأعمال الصالحة ويسارعون في الخيرات، ويحاسبون أنفسهم على تفريطها ويجاهدونها على التقوى وينهونها عن السوء والهوى مصداقًا لقوله تعالى: ?وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى? [النازعات: 40 - 41].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
< HR align=right SIZE=1 width="33%">
1- أخرجه مسلم: 8/ 94. وأحمد: 2/ 308. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2 - انظر اختلاف عبارة العلماء في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً في تفسير القرطبي: 18/ 197 - 199.
3 - أخرجه الترمذي:5/ 548، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (127) و (128) وفي صحيح الترمذي:3/ 455 رقم (3540).
4 - أخرجه مسلم:8/ 18، والترمذي:4/ 613، وأحمد:2/ 303 - 372، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5 - أخرجه مسلم:1/ 144، وأحمد:2/ 400 - 414 - 484، والترمذي:1/ 418، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
6 - أخرجه مسلم:12/ 16، من حديث عائشة رضي الله عنها.
7 - أخرجه البخاري:10/ 103، ومسلم برقم (2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
8 - أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (6734)، والترمذي:5/ 247، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:3/ 266، وفي تخريج الطحاوية: (90).
9 - أخرجه البخاري:10/ 111، ومسلم برقم (2571)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
10 - أخرجه الدارقطني: (1762)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب:2/ 1116.
¥