وإنّما صار الكبر حجابا دون الجنّة لأنّه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين، لأنّ صاحبه لا يقدر على التواضع، فلا يقدر أن يحبّ للمؤمنين ما يحبّه لنفسه، ولا على ترك الحقد و الحسد والغضب، ولا على كظم الغيظ وقبول النّصح، ولا يسلم من الإزدراء بالنّاس وإغتيابهم، فما من خلق ذميم إلاّ وهو مضطر إليه.
والتكبّر على الخلق يدعو إلى التكبر على الخالق، ألا ترى أنّ إبليس لمّا تكبّر على آدم وحسده بقوله:" أنا خير منه " جرّه ذلك إلى التكبّر على الله لمخالفة أمره فهلك هلاكا مؤبدا، قال تعالى:" إلاّ إبليس أبى وإستكبر وكان من الكافرين "
قال سفيان بن عيينة: من كانت معصيته في شهوة فأرج له التوبة، فإنّ آدم عليه السلام عصى مشتهيا فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر فاحش عليه اللّعنة، فإنّ إبليس عصى مستكبرا فلعن.
ولهذا جاء في القرآن والسنّة ذمّ المتكبرين، فأخبر الله تعالى أنّه طبع على قلوبهم، فقال كما في سورة غافر " كذلك يطبع الله على كلّ قلب متكبّر جبّار " هذا في الدنيا، أمّا في الآخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى:
" الكبرياء ودائي، والعظمة إزاري فمن نازعني واحد منهما ألقيته في جهنم " رواه مسلم.
- وأمّا عن بطر الحق
إنّ من شرّ أنواع الكبر ما يمنع من إستفادة العلم وقبول الحقّ والإنقياد له وعبوديته لله تعالى وهذا شبيه بإبليس فما منعه من طاعة الله إلاّ الكبر، فكلّ من إمتنع من إستجابة أمر الله فقد أصابه الكبر بحسب إعراضه عن العبادة قال تعالى عمّن تولّى عن طاعة الله تعالى:" ويقولون ءامنّا بالله وبالرّسول وأطعنا ثم يتولّى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم إرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ".
والتولّي هو التولّي والإعراض عن الطاعة.
فوا عجبا لمن يدعي الإيمان وهو معرض عن طاعة الله الواحد الديّان.
قال الإمام الشوكاني ليس مجرد قوله لا إله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام.إنتهى
- ومن التكبّر ردّ النصوص الشريعة بدعاوي باطلة واهية.
روى الإمام أحمد ومسلم -واللفظ لأحمد - من طريق أنس رضي الله عنه قال: لمّا نزلت هذه الآية " يا أيّها الّذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون " وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا من أهل النار حبط عملي، وجلس في أهله حزينا، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه وفي رواية مسلم هو سعد بن معاذ، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك؟
قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النّار، فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال عليه الصلاة والسلام: لا، بل هو من أهل الجنّة.
فكيف بقوم رفعوا أصواتهم وقدّموا أقوالهم على شريعة الله تعالى، قال الله تعالى:" يا أيّها الّذين ءامنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله واتقّوا الله إن الله سميع عليم"
روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنّ رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لاستطعت، ما منعه إلاّ الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه.
فليتأمل أهل العقول إلى هذا الحديث كيف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربّه تبارك وتعالى:" إنّه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما " كيف دعا على رجل لم يستجب لمسألة فرعية بسيطة لدى الكثير لا سيما عند من قسّم الدّين إلى قشور ولباب، فكيف بقوم ردّوا الكثير من النصوص الصحيحة بدعاوي زائفة منحرفة، فمنهم بحجة العقل والرأي، ومنهم بدعوى الواقع و المصلحة، ومنهم بحجة التقليد والتعصب للعوائد.
¥