تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول بشر الحافي رحمه الله: (أدّوا زكاة الحديث: فاستعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث) (35).

والعمل بالعلم يعين على تثبيت العلم، وإذا أردت شاهداً على ذلك فانظر إلى أذكار اليوم والليلة وأذكار الصباح والمساء والنوم والدخول والخروج من الخلاء والمنزل .... إلى آخره.

لو أنَّ الإنسان أراد حفظها فإنه سوف يحفظها، لكن سوف ينساها بعد حين، لكن لو أنَّه عمل بها حيناً من دهره فإنَّها تبقى راسخة، وبقدر العمل بها تزداد رسوخاً.

يقول الذهبي - رحمه الله - عن زمنه: (وأما اليوم: فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل، في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل. فحسبنا الله ونعم الوكيل) (36).

فإذا كان هذا كلام الذهبي في القرن الثامن الهجري فما بالك بحالنا اليوم؟ فلزاماً على كل واحد أن يحسن الظن بربه، وأن يجاهد نفسه، والله تعالى لطيف بعباده، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز.

أخي القارئ: إنَّ هذا العلم الذي أعطانا الله إيّاه، يحتاج إلى زكاة: فزكاة المال ربع عُشْرِهِ، وزكاة العلم أن تعمل به وأن تُعلِّمه، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: (اعلم - رحمك الله - أنَّه يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلُّم أربع مسائل: الأولى: العلم، الثانية: العمل به، الثالثة: الدعوة إليه، الرابعة: الصبر على الأذى فيه) (37).

فبقدر ما تزكِّي هذا العلم يؤتك الله عز وجل خيراً لا تتوقع مدخله عليك، كما قال عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} (38).

* المعوق التاسع: (اليأس واحتقار الذات):

يا طالب العلم، أنا وأنت وشيخ الإسلام والبخاري وابن حجر والعلماء، نشترك في قول الله تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (39).

كلنا ذلك الرجل، هذه الآية قاسم مشترك للناس جميعاً، الأنبياء والرسل اصطفاهم الله عز وجل، والصحابة لهم فضل وقصب السبق في الخيرات، فهذه الآية تجمعنا جميعاً ولذا لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولا تحقرنَّ نفسك، وفي الوقت نفسه - كما سبق - لا تزكِّ نفسك تزكية أنت تعلم أنَّك لست أهلاً لها، ولا تلبس نفسَك ثوباً أوسع منك.

إن اليأس وعدم الثقة بالنفس سبب عظيم من أسباب عدم التحصيل، والإنسان إذا رأى ما أنعم الله عليه من سلامة الجوارح، ومن توفير الوسائل التي يحتاجها طالب العلم، يجد أنَّ حجة الله عليه قائمة.

لا تحقرن نفسك إن كنت ضعيفاً في الحفظ، أو ضعيف الفهم، أو بطيء القراءة، أو سريع النسيان ... كل هذه أدواء وأسقام تزول إذا صدقت النية وبذلتَ السبب. يقول الإمام العسكري عن نفسه: (كان الحفظ يتعذَّر عليّ حين ابتدأت أرومه (40)، ثم عودت نفسي إلى أن حفظت قصيدة رؤبة: " وقاتِمُ الأعماق خاوي المخترقن " في ليلة، وهي قريب من مائتي بيت) (41)، ولا شك أنَّ هذا أتى من جهد متواصل.

إذن إياك - رعاك الله - أن تحقر نفسك، بل أخلص النية لله وابذل السبب واستغل وقتك، وسترى أنَّك حصّلت خيراً يجعلك تندم كل الندم على ما ذهب من الأوقات التي لم تستغلَّها بطلب أو تحصيل، واقرأ ما قاله أبو هلال العسكري:

(حكي لي عن بعض المشايخ أنَّه قال: رأيت في بعض قرى النَّبْط فتى فصيح اللهجة حسن البيان، فسألته عن سبب فصاحته مع لُكنَةِ أهل جِلْدته، فقال: كنت أعمَد في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ، فأرفع بها صوتي في قراءتها، فما مرَّ بي إلاّ زمان قصير حتى صرتُ إلى ما ترى) (42).

إذن فلا تحقرن نفسك وعليك بالمجاهدة، ورحم الله البخاري حين سُئل: ما دواء النسيان؟ فقال: (مداومة النظر في الكتب).

ولا شك أنَّ ترك المعاصي من أعظم الأسباب التي تعين على الحفظ، والشافعي يقول كلاماً جميلاً:

شكوتُ إلى وكيع سوءَ حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور ... ونور الله لا يُؤتاه عاصي (43)

* المعوق العاشر: (التسويف):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير