تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما أقبح القارىء يسأل عن مسألة في الفقه و هو لا يدري. و ليس ما شغله عن ذلك إلا كثرة الطرق في روايات القراءات.

و منهم من يتشاغل بالنحو و علله فحسب، و منهم من يتشاغل باللغة فحسب. و منهم من يكتب الحديث، و يكثر و لا ينظر في فهم ما كتب.

و قد رأينا في مشايخنا المحدثين من كان يسأل عن مسألة في الصلاة فلا يدري ما يقول.

و كذلك القراء، و كذلك أهل اللغة و النحو.و حدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه، قال: حدثني ابن المنصوري، قال: حضرنا مع أبي محمد بن الخشاب، و كان إمام الناس في النحو و اللغة، فتذاكروا الفقه فقال: [سلوني عما شئتم]، فقال له رجل: إن قيل لنا رفع اليدين في الصلاة ما هو فماذا نقول؟ فقال: [هو ركن]! فدهشت الجماعة من قلة فقهه.

و إنما ينبغي للعاقل أن يأخذ من كل علم طرفاً ثم يهتم بالفقه.

ثم ينظر في مقصود العلوم، و هو المعاملة لله سبحانه، و المعرفة به، و الحب له.

و ما أبله من يقطع عمره في معرفة علم النجوم، و إنما ينبغي أن يعرف من ذلك اليسير و المنازل لعلم الأوقات، فأما النظر فيما يدعى أنه القضاء و الحكم فجهل محض لأنه لا سبيل إلى علم ذلك حقيقة و قد جرب فبان جهل مدعيه.

و قد تقع الإصابة في وقت. و على تقدير الإصابة لا فائدة فيه إلا تعجيل الغم.

فإن قال قائل: يمكن دفع ذلك فقد سلم أنه لا حقيقة له.

و أبله من هؤلاء من يتشاغل بعلم الكيميا فإنه هذيان فارغ. و إذا كان لا يتصور قلب الذهب نحاساً لم يتصور قلب النحاس ذهباً.

فإنما فاعل هذا مستحل للتدليس على الناس في النقود. هذا إذا صح له مراده.

و ينبغي لطالب العلم أن يصحح قصده، إذ فقدان الإخلاص يمنع قبول الأعمال.

و ليجتهد في مجالسة العلماء، و النظر في الأقوال المختلفة، و تحصيل الكتب، فلا يخلو كتاب من فائدة.و ليجعل همته للحفظ، و لا ينظر و لا يكتب إلا وقت التعب من الحفظ.

و لحيذر صحبة السلطان، و لينظر في منهاج الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة و التابعين، و ليجتهد في رياضة نفسه و العمل بعلمه، و من تولاه الحق وفقه [359]

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:36 م]ـ

{13}

* فصل [ماذا يجب أن يدرسه طالب العلم؟]

هذا فصل غزير الفائدة.

اعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه، غير أن العمر قصير و العلم كثير.

فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر.

و من الحديث على الصحاح، و السنن و المسانيد المصنفة. فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد و ما في هذا الجزاء و إنما الطرق تختلف.

و علم الحديث يتعلق بعضه ببعض، و هو مشتهى، و الفقهاء يسمونه علم الكسالى [وما أسوأ ما قالوا]، لأنهم يتشاغلون بكتابته و سماعه، و لا يكادون يعانون حفظه، و يفوتهم المهم و هو الفقه.

و قد كان المحدثون قديماً هم الفقهاء، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث، و المحدثون لا يعرفون الفقه.

فمن كان ذا همة و نصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم، و جعل جل شغله الفقه، فهو أعظم العلوم و أهمها.

و قد قال أبو زرعة: كتب إلي أبو ثور: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية و تسعون رجلاً عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و الذي صح منه طرق يسيرة.

فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم.

و لو إتسع العمركان إستيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة، و لكن العمر قصير.

و لما تشاغل بالطرق مثل يحي بن معين فاته من الفقه كثير، حتى أنه سئل عن الحائض أيجوز أن تغسل الموتى! فلم يعلم، حتى جاء أبو ثور فقال: يجوز، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا حائض].

فيحي أعلم بالحديث منه، و لكن لم يتشاغل بفهمه.

فأنا أنهي أهل الحديث أن تشغلهم كثرة الطرق.

و من أقبح الأشياء أن تجري حادثة يسأل عنها شيخ قد كتب الحديث ستين سنة فلا يعرف حكم الله عز وجل فيها.

و كذلك أنهي من يتشاغل بالتزهد و الإنقطاع عن الناس أن يعرض عن العلم، بل ينبغي أن يجعل لنفسه منه حظاً ليعلم إن زل كيف يتخلص [481]

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:40 م]ـ

{14}

* فصل [علو همة ابن الجوزي والسلف]

كانت همم القدماء من العلماء عالية، تدل عليها تصانيفهم التي هي زبدة أعمارهم.

إلا أن أكثر تصانيفهم دثرت، لأن همم الطلاب ضعفت، فصاروا يطلبون المختصرات و لا ينشطون للمطولات.

ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فدثرت الكتب و لم تنسخ.

فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة، فإنه يرى من علوم القوم و علو هممهم ما يشحذ خاطره و يحرك عزيمته للجد، و ما يخلو كتاب من فائدة.

و أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدي، و لا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد.

فالله الله ,و عليكم بملاحظة سير السلف، و مطالعة تصانيفهم، و أخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال:

فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي

و إني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، و إذا رأيت كتاباً لم أره، فكأني وقعت على كنز.

و لقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية، فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد، و في ثبت كتب أبي حنيفة، و كتب الحميدي، و كتب شيخنا عبد الوهاب و ابن ناصر و كتب أبي محمد بن الخشاب و كانت أحمالا، و غير ذلك من كل كتاب أقدر عليه.

و لو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر و أنا بعد في الطلب.

فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، و قدر هممهم، و حفظهم، و عباداتهم، و غرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع.

فصرت أستزري ما الناس فيه و أحتقر همم الطلاب و الله الحمد. [492]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير