أَتوعِدُنا بِالحَربِ حَتّى كَأَنَّنا**وَإِيّاكَ لَم يُعصَب بِها قَلبُنا عَصبا
لَقَد جَمَعَتنا الحَربُ مِن قَبلِ هَذِهِ**فَكُنّا بِها أُسْداً وكُنتَ بِها كَلبا
أما الراية التي رفعها أبو فراس و كما تفضلت أستاذتنا أحاول أن
فإنها كانت أمرا طبيعيا بعدما طال مكوثه في الأسر و تأخر عنه الفداء ..
لا عجب في رفعه لراية الشكوى و التوجع في رومياته التي كانت من أرق
وأروع شعره -إن لم تكن من أرق و أروع الشعر على الإطلاق- فنجده يشكو
القيد قائلا -على لسان أمه-:
يامَن رَأى لي بِحِصنِ خِرشَنَةٍ**أُسدَ شَرىً في القُيودِ أَرجُلُها
يامَن رَأى لي القُيودَ موثَقَةٌ**عَلى حَبيبِ الفُؤادِ أَثقَلُها
ثم يعرج إلى عتاب سيف الدولة لتأخره عن فدائه و رد أمه خائبة
عندما لجأت إليه طالبة منه أن يفديه، دون أن ينسى
تذكيره بسبقه وفضله مع شكوى يتفطر لها القلب فيقول:
أَسلَمَنا قَومُنا إِلى نُوَبٍ**أَيسَرُها في القُلوبِ أَقتَلُها
وَاِستَبدَلوا بَعدَنا رِجالَ وَغىً**يَوَدُّ أَدنى عُلايَ أَمثَلُها
لاتَتَيَمَّم وَالماءُ تُدرِكُهُ**غَيرُكَ يَرضى الصُغرى وَيَقبَلُها
بِأَيِّ عُذرٍ رَدَدتَ والِهَةً**عَلَيكَ دونَ الوَرى مُعَوَّّلُها
إِن كُنتَ لَم تَبذِلِ الفِداءَ لَها**فَلَم أَزَل في رِضاكَ أَبذِلُها
ياواسِعَ الدارِ كَيفَ توسِعُها**وَنَحنُ في صَخرَةٍ نُزَلزِلُها
ياراكِبَ الخَيلِ لَو بَصُرتَ بِنا**نَحمِلُ أَقيادَنا وَنَنقُلُها
و لا أنسى في هذه العجالة التذكير بقصيدته التي سميت الشافية
و التي يرد فيها على ابن سكرة الذي افتخر على الطالبيين و هي
قصيدة شافية حقا تهز الكيان هزا و هي من درر شعره أقتطف منها
بعض أبيات:
الدينُ مُختَرَمٌ وَالحَقُّ مُهتَضَمُ**وَفَيءُ آلِ رَسولِ اللَهِ مُقتَسََمُ
إِنّي أَبيتُ قَليلَ النَومِ أَرَّقَني**قَلبٌ تَصارَعَ فيهِ الهَمُّ وَالهِمَمُ
وَعَزمَةٌ لايَنامُ اللَيلَ صاحِبُها**إِلّا عَلى ظَفَرٍ في طَيِّهِ كَرَمُ
يُصانُ مُهري لِأَمرٍ لا أَبوحُ بِهِ**وَالدِرعُ وَالرَمحُ وَالصَمصامَةُ الخَذِمُ
وَفِتيَةٌ قَلبُهُم قَلبٌ إِذا رَكِبوا**يَوماً وَرَأيُهُمُ رَأيٌ إِذا عَزَموا
يالِلرِجالِ أَما لِلَّهِ مُنتَصِفٌ**مِنَ الطُغاةِ أَما لِلدينِ مُنتَقِمُ
لِلمُتَّقينَ مِنَ الدُنيا عَواقِبِها**وَإِن تَعَجَّلَ مِنها الظالِمُ الأَثِمُ
أَمّا عَلَيٌّ فَقَد أَدنى قَرابَتَكُم**عِندَ الوِلايَةِ إِن لَم تُكفَرِ النِعَمُ
أَيُّ المَفاخِرِ أَمسَت في مَنابِرِكُم**وَغَيرُكُم آمِرٌ فيهِنَّ مُحتَكِم
خَلّوا الفَخارَ لِعَلّامينَ إِن سُئِلوا**يَومَ السُؤالِ وَعَمّالينَ إِن عَلِمواُ
لايَغضَبونَ لِغَيرِ اللَهِ إِن غَضِبوا**وَلا يُضيعونَ حُكمَ اللَهِ إِن حَكَموا
تَبدو التِلاوَةُ مِن أَبياتِهِم أَبَداً**وَفي بُيوتِكُمُ الأَوتارُ وَالنَغَمُ
و من غرائب الصدف أن المحقق العلامة محمود شاكر ذكر
-في رأي يستحق الوقوف و التمعن حول نسب المتنبي- أن
أب المتنبي كان طالبيا مما حدا به إلى الاختفاء نظرا
لمطاردة أصحاب دعوة الطالبيين في ذلك الوقت والاضطهاد
الذي كانوا يعانون منه، وعليه فإن شاعرينا - المتنبي وأبا فراس- الذين تناولتهما أديبتنا أحاول أن بالدراسة يكادان ينتميان إلى مدرسة دينية -و بالتالي فكرية- واحدة ..
شكرا لكم جميعا
واعذروا اقتضاب أفكاري في هذه العجالة التي لم أكد أزيد فيها
على نقل بعض أشعار أبي فراس ..
ـ[أحاول أن]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 06:33 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
جزيتم خيرا أستاذنا "الباز" على هذه الإجابة "الشافية " ..
ظهر لي من خلال مداخلتكم أن راية أبي فراس كانت أكثر شموخا
من راية المتنبي مما زاد حظوة هذا الشاعر عندي ..
لم تكن الراية أكثر شموخا أمامي بقدر ما هي طبيعة أبي فراس "الأكثر شموخا وإباء "
لا أبالغ إن قلت: لو طال عمر أبي فراس قليلا لكان أشعر الناس
على مر العصور فقد تخطفه الموت شابا و مع ذلك فقد ترك لنا ديوانا
رائعا أغلب قصائده من الخرائد ..
من أهم ما لحظته في شعر أبي فراس هو السلاسة و السهولة الممتنعة
و خلوه كليا من الغريب و النافر من الألفاظ حتى أن أي عربي اليوم مهما كان
مستواه في العربية - وبعد ألف سنة من وفاة أبي فراس- يستطيع فهم
¥