تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفيما عرض – على إيجازه - ما يصور شخصية الفارس الأندلسي، ويدل على إظهار سماته ومميزاته.

ويعتمد التأثير في الأبيات على الصورة المنتزعة من الواقع، و على الصورة الجزئية الخيالية، و منها الاستعارة في قوله: (أوفى المجد شرعته) و قد شخصت المجد، و جعلت له شرعةً و طريقة، يعتنقها الفرسان، و يبذلون الأرواح في سبيلها، وقولهشاد للعُرب أمجاداً مؤثلة) وقد صورت الأمجاد صروحاً تشيد و تقام دعائمها، وأوحت بشموخ هذه الأمجاد ورسوخها، و في (دانت لسطوته الدنيا)، قد أبرزت الدنيا منحنيةً خاضعة للفارس الأندلسي، دالَّةً بذلك على عظمته و صولته، و في (فجر الروض أطيافاً و ألحاناً)، وهي تجعل توليد الصورة من الرياضة والطبيعة في كثرة على ألسنة الشعراء تفجيراً لها، وتدل بذلك على ارتباط الخيال الأندلسي بالطبيعة، وعلى خصب هذا الخيال وسعته. وفي (يمد الروح قرباناً) قد جسمت الروح، وجعلتها تذبح في معبد الجمال قرباناً له، وهي توحي بعشق الأندلسي للجمال، وعمق حسه به.

وفي قوله (أورد الخيل وديانا وشطانا) كناية عن كثرة الحرب والنضال في سبيل بناء المجد، وهي تدل على روح البطولة والفروسية.

و لعلك تقف من الأبيات عند الطباق في قولهدانت، ما دانا) فترى الدنيا في ناحية وقد دانت، والفارس الأندلسي في ناحية أخرى، وهو قوي منتصر لا يدين، ومع ما في هذا الطباق من مبالغة، تراه يثير حسك وانتباهك، وتراه من وحي عاطفة حادة نزعت بالشاعر هذا المنزع.

المقطوعة (ج)

وفي الأبيات من (11 – 16) تستمع إلى حديث الشاعر عن جولة له في قرطبة، يذكر فيها أنه طاف بأرجاء قرطبة، وراعه ما شمله من تبدل، فأخذ يسائلها عمن ازدانت بهم حينا من أمراء العرب وفرسانهم، وعن بني أمية وما خلفوا فيها من صروح وآثار … عن المساجد التي ارتفعت مآذنها، بذكر الله وتقديسه، تشق عنان السماء، وتلتقي بالسحاب، وعن ملاعبها التي كانت معابد مقدسة للحب العذري، وعن مجالس الجمال فيها، وقد حفلت بأبهاه وأروعه، حتى صارت كأنها البستان بمباهجه ومفاتنه، وعن ابن زيدون شاعر الأندلس، وبلبل قرطبة التي رددت ربوعها قصائده وأغاريده، توقد نيران الشوق، وتبعث كامن الهوى والشجن في قلوب المحبين.

حياته قسمة بين هوى يرعاه في عاطفة صادقة ملتاعة، ومجد لا يألوا جهداً في أن يبنيه، ويحقق شتى صوره وأشكاله. وصحا الشاعر من سبحته الطويلة مع ابن زيدون وحبه وشعره – على الواقع الأليم، فزفر زفرةً متحسرة على ماضٍ كان للعالم العربي فيه حياةٌ سامقةٌ، يزينها الحب حيناً، ويعلو بها المجد في كل الأحيان، وعلى فردوس مفقود، ضيعه الخلاف بين الأمراء والدويلات الأندلسية، وذهب بروعته بعد أن كان في أوروبا صرحاً للإسلام، ورمزاً لعظمة أبنائه.


وفي الأبيات ترى الشاعر يتحدث حديثاً قصيراً عن قرطبة، وآثار بني مروان فيها، وما كان بها من مساجد ومسارح حسن، ثم يمضي إلى حديث استهواه، فأطال فيه القول عن ابن زيدون وولادة، وختمه بزفرة على المجد الذي ضيعه تفرق الهوى والكلمة.

وتحس أن انطلاقه في الحديث عن ابن زيدون نشأ عن نزعته الأدبية، وعما قد يكون بين حياتي الشاعرين من مشابهة، فقد كان كل منهما وزيراً وشاعراً. والمحجوب يشيد بابن زيدون، وبما يردده من التقاء بين المساجد ومسارح الحسن وملاعب الهوى المقدس، وبين حق القلب وحق المجد.
وترى المشاعر في الأبيات سافرة، تنقلها إليك الألفاظ العاطفة الصريحة كما تنقلها إليك الصور في الأبيات.

ومن هذه الصور الاستعارات في قولهتعانق السحب)، وقد شخصت السحب ورسمت لك صورة خيالية، توحي بارتفاع المنائر وعلو كلمة الله .. وقوله (تغنى في مرابعه) وهي تصور إرسال الشعر تغنياً؛ لشدة تأثيره في الأذن والقلب. وفي: (يبني المجد ألواناً) وهي تصور المجد بناءً يقام ويدعم، وتوحي بما وراء ذلك من جهد، وحرص، وطموح.

ومنها التشبيه البليغ في قوله: (كانت للهوى قدساً، كن بستاناً) ويعبر الأول عن صفاء الحب ونبله، والثاني عن كثرة مصادر الجمال وتنوعها، وفي قولهأجج الشوق نيرانا) وهو يوحي بقوة آلام الحب، ولعلك تلاحظ أن بعض الكلمات العاطفية تكررت، ومنها: الهوى، أشجان، أعطافاً.

المقطوعة (د)
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير