بدأ الشاعر القصيدة مخاطبا المرثي ومعددا أفعالا يراها ارتكبت في حقه مثل "نقض" و "جنى" وقد قدم المفعول به لكل فعل وأخرّ الفاعل إلى البيت الثاني، وذلك للإشارة إلى عظم المفعول به، مثل في قوله "نقض العهود"، وقوله "جنى عليك" لأن الشاعر يريد أن يصور في ذهن القارئ صورة محددة عن هذا الفاعل قبل ذكره، وذلك بذكره أفعاله التي هي عبارة عن نقض العهود والجناية.
وقد أحسن الشاعر إذ ذكر "حلفائه" بعد ذكر "العهود" لأن الحلف إنما يكون عن عهد وعقد، وهذا إصرار من الشاعر على رسم تلك الصورة المحددة للفاعل، ويؤيد ذلك تكرار الإصرار على رسم هذه الصورة في البيت الثاني بذكره "خلصائه".
ونحن نتشوق لمعرفة هذا الفاعل الذي ينقض عهود الحلفاء، ويجني على الخلصاء.
زمنٌ رآك مجاوزاً أبعاده
لم ترضَ أنك كنت من نظرائه
الآن يأتي ذكر هذا الفاعل في بداية البيت، وهذا قد أعطى البيت هيبة للزمن وللمرثي في الوقت نفسه. وأتى الفاعل نكرة لبيان أنه غير محدود، وأنه أقوى من المرثي لأنه يملك الطرق التي يغلب بها كل خصم.
وقد اتجه الشاعر مباشرة إلى ذكر السبب الصريح الذي دفع "الزمن" إلى فعله الذي فعل، ولم ينشغل بالتشنيع على الزمن، ووصفه كما يصفه الكاره المبغض.
وقد أدرك الشاعر بهذا الاتجاه المباشر إلى السبب معان عدة تجعل القارئ أو السامع ينحاز إلى الصورة التي أوحى بها لهذا الزمن. ويمكن أن يصف واصف هذا الزمن بأنه (حسود) بينما يراه آخر أنه (منتقم لنفسه) وكلاهما ينطلق من هذا البيت.
ونعود إلى السبب فنجد أن هذا الزمن قد رأى فعلا أن (المرثي) تجاوز أبعاده، وكذلك كان يرى (المرثي) لأنه أصلا لم يرض أن يكون من نظراء هذا الزمن، فتجاوز الزمن وأبعاده.
سنحت له من خلفِ ظهرك فرصةٌ
فرماك في الجسم النحيل بدائه
كان هذا الزمن يتحين سنوح فرصة يدرك فيها غرة من (المرثي) فيبلغ فيه مراده، وهذه من الطرق التي يملكها "الزمن" ولا يأخذ بها (المرثي)، وكان يتحين الفرصة وهو مختف وراء ظهره، حتى إذا حانت له الفرصة رمى الجسد النحيل بداء الموت.
وكل جسم نحيلٌ أمام الموت.
وبهذا تمكن "الزمن" وظهرت له الغلبة، ولكن عن طريقة الصورة التي رسمها الشاعر إبراهيم الشيخي في البيت السابق.
ـ[السراج]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 08:47 ص]ـ
آثرتُ أخي عامر أن أمتّع ذائقتي بما كتبتَ من حلو البيان وزهو الكلام إكمالاً لدرّة (الشيخي) في فقيد الأدب العربي، وطارتْ بي كلماتك كي أكرر القراءة مرات حتى أنظر مثلما تنظر. حتى أدركتُ أن لكَ (مجسّا) تنفذ من خلاله إلى خيوط الحروف ..
أما هذا البيت فدعاني للشهادة على حجم (غازي) الأدبي، وما فصّلتُ إلا منه وما شربتُ إلا من معينه، فاتصاله بما قبله يزجي لنا معنى تقدّم الشاعر (خلف ظهرك)، ومعنى قوّة النفس عند الشاعر (سنحت له) ثم شدّة المرض (فرماك بدائه) ...
يبدو أن العودة هُنا واجبة (مثل نهر النيل تماما) ..
سنحت له من خلفِ ظهرك فرصةٌ
فرماك في الجسم النحيل بدائه
كان هذا الزمن يتحين سنوح فرصة يدرك فيها غرة من (المرثي) فيبلغ فيه مراده، وهذه من الطرق التي يملكها "الزمن" ولا يأخذ بها (المرثي)، وكان يتحين الفرصة وهو مختف وراء ظهره، حتى إذا حانت له الفرصة رمى الجسد النحيل بداء الموت.
وكل جسم نحيلٌ أمام الموت.
وبهذا تمكن "الزمن" وظهرت له الغلبة، ولكن عن طريقة الصورة التي رسمها الشاعر إبراهيم الشيخي في البيت السابق.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 08:30 م]ـ
بوركت، أخي السرج، وجزيت خيرا على لطفك
وها أنت أشرت إلى بديعة صورتها ذائقتك البديعة.
ـ[السراج]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 05:49 م]ـ
بعد دعوة كريمة من أخي. سأحاول نثر بعض الأبيات.
وأتاك بالموت الزؤام محارباً ... وكتائبُ الأرزاء تحت لوائه
إن الربط و (الجمع) بحرف الواو بين الفرصة التي سنحتْ دليل على ضراوة الاحتدام وتسلسل الأحداث، وما أدلّ على ذلك إلا وجود حرف (الفاء) في البيت السابق في آلية الرمي.
والصورة هنا تطغى على الكلمات فلا تفيها لكن أبسط ما نقول أننا أمام مشهد معركة عظيمة بل هجوم (بأعداد) متتالية عبّر عنها الشاعر بلغة (الحرب) بلفظة (كتائب) التي تثير الرعب في النفوس وهي في مأمنها فما بالك بمن تلقاها!
لكن – ومن ذكاء الشاعر – أخّر مجيئها (في البيت) كي ترى قائدها بهيئته يبثّ الوَجل في نفس (الطرف الآخر) في إشارة لحرب أخرى تُشنّ ضد النفس. ألا ترون الآن تمكّن (ألفاظ) تعب المعارك على حديثنا!
نعود للكتائب ..
هذه الكتائب الكثيرة من الأرزاء (الكتائب) جمع – و (الأرزاء) جمع. الآن نتخيل جيوش كثيرة من أي شيء لنقل (النمل) مثلاً؛ إنها الأرزاء والمصائب والأمراض هُنا!. كانت تقابل ذلك القوي الشكيمة والبأس فكان لزاماً أن تكون كثيرة. وانظر من يقودها إنه الموت. .
ما شدّني حقاً في هذا البيت مواصلة الخطاب للحاضر (وأتاك) في لمحة لإشارة القرب من الشاعر.
¥