تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويجدر هنا أن نوضح أن الآراميين - كما يرى بعض المحققين - هم عرب الأصل من نجد، هاجروا إلى الجهة الشمالية في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، وكانت دولتهم في الشام متوسطة بين الدولة الآشورية والمصرية. وفي عام 733 قبل الميلاد تمكن الآشوريون من القضاء على هذه الدولة، إلا أن حضارتها الزاهية لم تمت، بل صار الآشوريون والمصريون والفرس وقسم من أهل الهند، يتكلمون بلغتها التي اتسع انتشارها حتى صارت لغة التجارة في تلك العصور، وقدعُثِر على نقوش من آثارها ترجع إلى حوالي سنة 900 قبل الميلاد، وتعد السرْيانية إحدى اللهجات الآرامية.

وأما الأنباط الذين سبقت الإشارة إليهم فهم قبائل عربية رحلوا عن ديارهم في القصيم من نجد أيضا متجهين نحو الشمال الغربي (إلا أن أنباط سواد العراق لم يكونوا من العرب، بل هم من أصل هندي سندي، ويُعرفون بالزط)، وأغاروا على بلاد آرامية، وتأثروا كثيرا بحضارتها، وكتبوا بحروفها المشتقة من الخط الفينيقي الكنعاني (قال الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب في بحثه: نقوش نبطية جديدة من قارة المزاد - سكاكا الجوف - في خاتمة دراسته لتلك النقوش: "وهي عبارات تُظهر مدى العلاقة القوية بين النَّبطية والعربية، وتدل على تاكيد الأصل العربي للأنباط من خلال استخدامهم لمصطلحات عربية صرفة بأحرف آرامية نبطية")، ثم طوروا الخط الآرامي إلى ما صار يعرف بالخط النَّبطي، الذي استقل بعدُ عن الخط الآرامي، كما اقتبسوا عن الحضارة الآرامية ما يعرف بحساب الجمّل، ومنهم من استقى العرب بعد ذلك هذا الحساب (لقد مرّ قريبا أن الآراميين هم من أصل عربي، لكن لا يلزم من هذا أن تكون لغتهم عربية، لأنهم تركوا ديارهم وهاجروا إلى خارج الجزيرة العربية، وتأثروا بغيرهم، وهذا يوضح ما ذكره ابن دُريد في جمهرة اللغة عن حساب الجمّل بقوله: "وأما الجمّل من الحساب فلا أحسبه عربيا صحيحا". ولعل الآراميين اقتبسوا حساب الجمّل من الفينيقيين).

ويقال: أن قريشا تعلموا الخط من الأنباط، وثمة أقوال أخرى في ذلك: فيقال: إن قريشا تعلموا الخط من أهل الحيرة، أو أنهم تعلموه من أهل الأنبار، ومنهم من جمع بين القولين الأخيرين بأن أهل الحيرة أخذوا الخط عن أهل الأنبار.

ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد هيمن الأنباط على ملتقى طرق التجارات العالمية، التي تربط بين تجارات الهند وفارس والعراق من الشرق، ومصر من الغرب، والشام والروم واليونان من الشمال، والحجاز واليمن والحبشة من الجنوب.وأشهر قواعد الأنباط: البتراء (الرقيم) في الشمال، والحِجْر (مدائن صالح) في الجنوب (وقد أصدر الرومان سنة 106 م. قرارا بضم مملكة الأنباط للدولة الرومانية، وتم ذلك سنة 122م. . وفي الأنباط يقول ابن حجر في فتح الباري: "وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام، ويقال لهم النَّبَط بفتحتين ... والأنباط، قيل: سمو بذلك لمعرفتهم بإنباط الماء، أي استخراجه، لكثرة معالجتهم الفلاحة).

وقد استفاد كثير من الشعوب والأمم من الحضارة الآرامية النَّبطية، فعنهم أخذ اليونان - على قول - والأقباط واليهود والهنود حساب الجمّل على طريقة (أَبْجَدْ هَوَّز). وتقدم قريبا ما يدل على أن الهنود تعلموا من هذه الحضارة العريقة، وهذا يفسر ما سيأتي ذكره عن ابن النديم من أن الهنود يستعملون حساب الجمّل على طريقة (أَبْجَدْ هَوَّز). (ومن نافلة القول في هذا المقام: الإلماع إلى أن اليهود اقتبسوا خطهم الأول - كما تدل نقوشهم القديمة - من الخط الفينيقي، وفي القرن الخامس قبل الميلاد اتخذوا خطاّ آخر قلدوا به الآراميين، "وتطورت هذه الكتابة خلال القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد لتستقر على صورة جديدة ... وهي المستعملة حتى اليوم، وبها تُطبع الكتب المقدسة في العبرية، وهذا القلم شبيه بالقلم الآرامي المتأخر، وبالقلمين النَّبطي والتدمري".

المصدر: كتاب الأرقام العربية - للدكتور قاسم علي سعد - دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث - دبي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير