الجزءُ الثاني من الأخطاءِ اللُّغويةِ الشائعةِ (سِلسلة متصلة)
ـ[أبو قصي]ــــــــ[01 - 09 - 2007, 08:58 م]ـ
الجزء الثاني
هذا هو الجزء الثاني من هذه السلسلةِ، أسالُ الله أن ينفعَ بها. وهذا رابطُ الجزء الأول:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=10969
:::
- الموضع الأول:
يخطِّئون من يَّقولُ: (لا ينبغي للمرءِ أن يفعلَ كذا)، ويقولون: الصوابُ أن يقال: (ينبغي للمرء ألا يفعلَ كذا). ويحتجون بأن (ينبغي) بمعنى (يجب)، وأنك إذا قلتَ مثلاً: (لا ينبغي للمسلمِ أن يعصيَ ربَّه) كان معنى كلامِك: (لا يجب على المسلمِ أن يعصيَ ربَّه) كأنَّ عصيانَ ربِّه جائزٌ، ولكن الخلافَ في وجوبِه!
وهذا القولُ قولُ من لا علمَ له، ولا فقهَ، ولا بصرَ بالعربيةِ، ومَن بَلاءُ العربيةِ به **** القاسم.
وإني ليَحزُنني أن أجِد كثيرًا من هؤلاءِ قد اتخذوا العلمَ هزوًا ولعبًا، وجعلوه مِهنةً لهم يتكفَّفون بها ثناءَ الناسِ، ويستوصِلونَ بها إلى الشهرةِ والذكرِ الحسنِ – ظنُّوا -. وقد وجدتُ ثلاثةَ أشياءَ هي مِهنة من لا مهنة له: التصميم، والإنشاد، والتصويب والتخطئة في اللغةِ.
واعلمْ – رضيَ الله عنك - أن العلمَ ليس بكثرةِ النقولِ؛ ولكنه بإدمانِ الفكرةِ، ودقّةِ النظر، وحسنِ التعليلِ، وبراعةِ الترتيبِ.
ونحن إلى عالمٍ محقّقٍ أحوجُ منا إلى امرئ جمَّاعةٍ كلُّ همّه أن يؤلّف بين ما تشتت في بطونِ الكتبِ، ثم يرجح بينها ترجيحًا خيرٌ منه تركُه؛ فلا يأتي بجديدٍ؛ كأن العلمَ انقضَى كلُّه، وكأنَّ أغصان العقولِ ذبَلت!
فواكبدا للغتنا؛ مَن يحمي حقيقتَها، ويدرأ عنها أعداءَها، وأدعياءَها؟
وأنا الآنَ مبتدئٌ ردًّا على مَن يقول بهذا الرأي؛ فمبيِّنٌ أنَّ كلامَه مبنيٌّ على باطلٍ. وما بني على باطلٍ فباطلٌ.
فنقولُ: لا نسلِّم أنَّ (ينبغي) بمعنى (يجب)؛ فنمنع مقدمتَه الصغرى هذه بهذا التفصيلِ غيرِ الطويلِ مقسومًا على مسائلَ.
المسئلة الأولى: في اشتقاقِها:
(ينبغي) فعلٌ مضارعٌ ماضيه (انبغَى). وهو مطاوعٌ لـ (بغَى). و (بغَى) من مجرَّد الثلاثي، حروفه كلها أصولٌ، هي (ب غ ي).
المسئلة الثانية: في تحليلِها تصريفيًّا:
(ينبغي) فعلٌ، مضارعٌ، لازمٌ، معتلٌّ ناقصٌ، ثلاثيّ مزيد بحرفينِ، ناقصُ التصرفِ، تامٌّ، مبنيٌّ للمعلومِ. وزنُه (يَنفعِل).
المسئلة الثالثة: في معناها من جهةِ دَِلالةِ بِنيتها، ودَِلالةِ اشتقاقِها:
(ينبغي) مضارعُ (انبغَى)، و (انبغى) مطاوعُ (بغَى). وبناءُ (انفعلَ) لا يكونُ إلا للمطاوعةِ. فإن قلتَ: كيفَ يكونُ للمطاوعةِ؟ أفيدخلُ في حدِّها؟ قلتُ: قبلَ ذلك أبيّن معنى المطاوعةِ. وقد ذكرتُها في كتابي في التصريفِ؛ قلتُ: (فإن كانَ الفعل قابلاً معنى المطاوعةِ؛ وهي ما كانَ الحدثُ فيها حسيًّا؛ أي: لا يقعَ في أصلِ معناه إلا بالحركةِ الظاهرةِ من الفاعلِ، ولا يتِمّ إلا بمطاوعةٍ وقَبولٍ من المفعولِ به؛ سواءٌ كان دالاًّ على معالجةٍ أم غيرَ دالٍّ (1). وبيانُه أنك تجدَ مفعولَه متفاوتًا في الواقعِ بطبيعتِه؛ فمنه ما ينقادُ للفاعلِ، ومنه ما يمتنعُ؛ على أن يكونَ امتناعُه راجعًا إلى طبيعةٍ فيهِ، لا إلى تكلُّفٍ؛ وبما تقدَّم من القيودِ خرجَ (طردَ)؛ فلا تقولُ فيه: (طردته فانطردَ)، لأنه لا يستلزمُ حركةً؛ فربما تطردُ الرجلَ بإشارةٍ منكَ (2). أما (صرفتُه فانصرفَ) فإن أصلَ معناه أن يكونَ في المحسوسِ، كما تقولُ: (صرفتُ وجهَك) فإن الشيء المرادَ صرفُه ربما انصرفَ لسهولةِ طبيعتِه، وربما لم ينصرِف لصعوبتِها. ومنه (شواه فانشوى)؛ إذ من شأنِ ما يُشوى أن يكونَ إما قابلاً بطبيعتِه للشيِّ، وإما ممتنعًا، وإما أن ينشويَ بعد مدةٍ. وكذلك (حطمَه فانحطَم) إذ الأشياءُ تتفاوت بطبيعتِها؛ فمنها ما لا ينحطِم كالحديدِ، ومنها ما ينحطم بسرعةٍ كالزجاجِ، ومنها ما بين ذلك. ومن ذلك (أطلقتُه فانطلقَ) فإنَّ ما يُخلى عنه أشكالٌ؛ فمنه ما ينطلق، ومنه ما لا ينطلِق كما لا روح فيه. ومنه (قطَعه فانقطع) و (كسرَه فانكسرَ) فإن الأشياءُ لا تستوي فيهما؛ فمنها ما ينقطع بطبيعتِه، ومنها ما لا ينقطع، ومنها ما ينقطع بعد
¥