بَابُ مَعْرِفَة ماَ يَضَعُهُ النّاسُ في غَيْرِ مَوْضِعِه!!!
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[01 - 08 - 2007, 10:52 ص]ـ
هذه مقولات الأقدمين على طريقة"قل ولا تقل" عند الحداثيين ... لنرى أن القدماء تطرقوا لمثل هذه المواضيع من أجل سلامة اللغة التي كانوا حريصين عليها أشد الحرص فجزاهم الله خيراً!!!
كتاب المعرفة عن"ادب الكاتب لابن قتيبة
* بَابُ مَعْرِفَة ماَ يَضَعُهُ النّاسُ في غَيْرِ مَوْضِعِه
من ذلك (أَشْفَارُ الْعَيْنِ) يذهب الناس إلى أنها الشّعَرُ النابت على حروف العين وذلك غلط إنما الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر والشَّعْرُ الشَّعَرُ هو الهُدْب
وقال الفقهاء المتقدمون: في كل شُفر من أشفار العين رُبْعُ الدية يعنون في كل جَفْن وَشُفْر كل شيء: حَرْفه وكذلك شَفِيره ومنه يقال: (شَفِيرُ الوادي) (وشُفْرُ الرَّحم) فإن كان أحد من الفصحاء سَمَّى الشعر شُفْرا فإنما سماه بمَنْبِتِه والعرب تسمِّى الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبَبٍ على ما بينَّتُ لك في (باب تسمية الشيء باسم غيره)
وَمن ذلك (حُمَةُ العقرب وَالزُّنبور) يذهب الناس إلى أنها شَوْكَةُ العقرب وَشَوكة الزنبور التي يَلْسعان بها وذلك غلط إنما الحُمَةُ سمُّهما وضَرُّهما وكذلك هي من الحية لأنها سم ومنه قول ابن سيرين (يكره التِّرْياق إذا كان فيه الحُمَة) يعني بذلك السم وأراد لُحوم الحيَّات لأنه سم
ومنه قوله: (لا رُقْيَة إلا من نَمْلَة أو حُمَة أو نَفْس) فالنملة: قُرُوحٌ تخرج في الجنب تقول المجوس: إن ولد الرجل إذا كان من أخته ثم خَطَّ على النملة يشفي صاحبها قال الشاعر:
(وَلاَ عَيْبَ فينا غيرَ عِرْقٍ لمعشرٍ ... كِرَامٍ وَأَنّا لاَ نَخُطُّ عَلَى النَّمْلِ)
يريد أنا لسنا بمجوس ننكح الأخوات
وَالنفسُ: العينُ يقال: أصابت فلاناً نفسٌ
والنافِسُ: العائنُ والحُمَةُ لكل هامَّة ذات سُمّ فأما شوكة العقرب فهي الإِبْرَةُ
ومن ذلك (الطَّرَبُ) يذهب الناس إلى أنه في الفَرَح دون الجزَع وليس كذلك إنما الطرب خفّة تصيب الرجلَ لشدَّة السرور أَو لشدَّة الجزع قال الشاعر وهو النابغة الجَعْدِيُّ:
(وَأَرَانِي طَرِبًا في إِثْرِهِمْ ... طَرَبَ الْوَالِه أو كالْمُخْتَبَلْ)
وقال آخر:
(يَقُلْنَ: لَقَدْ بَكَيْتَ فَقُلْتُ: كلاَّ ... وَهَلْ يَبكى مِنَ الطَّرَب الجَلِيدُ!!)
ومن ذلك (الحِشْمَة) يضعها الناس موضع الإستحياء قال الأصمعي: وليس كذلك إنما هي بمعنى الغضب وحكى عن بعض فصحاء العرب أنه قال: (إن ذلك لممَّا يُحْشِمُ بني فلان) أي: يغضبهم
قال الأصمعي: ونحوٌ من هذا قولُ الناس (زَكِنْتُ الأمر) يذهبون فيه إلى معنى ظننتُ وتوَهَّمتُ وليس كذلك إنما هو بمعنى علمتُ يقال: زَكِنْتُ الأمر أزْكَنُهُ قال قَعْنَبُ بنُ أم صاحب:
(ولَنْ يُرَاجِعَ قَلْبِي وُدَّهُمْ أبَداً ... زَكِنْتُ مِنْهُمْ عَلَى مِثْلِ الذَّيِ زَكِنُوا)
أي: علمت منهم مثل الذي علموا مني
ومن ذلك (الْقَافِلَةُ) يذهب الناس إلى أنها الرُّفْقَة في السفر ذاهبةً كانت أو راجعةً وليس كذلك إنما القافلة الراجعة من السفر يقال: قَفَلَتْ فهي قافلة وَقَفَلَ الجُنْدُ من مَبْعَثهم أي: رَجَعوا ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق قافلة حتى يَصْدُروا
وَمن ذلك (المأتَمُ) يذهب الناس إلى أنه المصيبة ويقولون: كنا في مأتَمٍ وليس كذلك إنما المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر والجمع مآتِمُ والصواب أن يقولوا: كنا في مَنَاحة وإنما قيل لها مَنَاحة من النَّوَائح لتَقابلهن عند البكاء
يقال: الجبَلان يتنَاوحان إذا تَقَابلا وكذلك الشَّجَرُ وقال الشاعر:
(عَشِيَّةً قَامَ النّائِحَاتُ وَشَقِّقتُ ... جُيُوبٌ بِأَيْدِي مَأْتَمٍ وخدودُ)
أي: بأيدي نساء وقال آخر:
(رَمَتّه أَنَاةٌ مِنْ رَبِيعَةِ عَامِرٍ ... نَؤومُ الضُّحَا فِي مَأْتَمٍ أَيِّ مأتَمِ)
بريد في نساء أيِّ نساء
وَمن ذلك قول الناس: (فلانٌ يتصدَّقُ) إذا أعْطَى (وَفلان يتصدَّقُ)
سألَ وهذه غلط وَالصواب (فلان يسأل) وإنما المتصدّق المُعْطِي قال الله تعالى: (وتَصَدقْ علينا إن الله يجزي المتصدّقين)
¥