ذلك غير محفوظ عن الشافعي [أن الباء للتبعيض] وإنما المنقول عنه الكلام في مسح الرأس، وهو حكم شرعي يحتمل التصرف والقياس، وما نحن فيه حكم لغوي لا يحتمل ذلك. ثم لو صح ذلك عنه كان معارضا بقول جمهور أهل اللغة وأئمتها فإن أبا بكر عبد العزيز قال في كتاب الخلاف: سألت / أبا عبد الله بن عرفة وابن دريد وجعفر بن محمد عن (الباء) تبعّض؟ فقالوا: لا يعرف في اللغة أنها تبعض، وإنما جعلت للخفض وتحسين الكلام.
وقال ابن برهان [في شرح اللمع]: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه.
فإن قيل: هب أن هذا صح عن هؤلاء إلا أن نقل الشافعي زيادة وهي من الثقة مقبولة وقد اختاره ابن كيسان.
قلنا: قد منعنا صحته عن الشافعي والمحصلون من أصحابه لا يثبتونه، واختيار ابن كيسان مخالف لجمهور أهل اللغة فلا يقبل.
فإن قيل: قولكم شهادة على نفي فلا يسمع وقولنا إثبات وهو مقدم.
قلنا: قولنا على وَفق النفي الأصلي، والأصل عدم ما يدعونه من المناقض وقولكم وإن كان إثباتا إلا أنه لا مستند له فلا يقبل.
............
وبمعنى (من) في قوله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله} فلو حملت على هذا لاقتضت التبعيض
[قلت: هذا يدل على أن الخلاف لفظي، وسيأتي ما يفيده أيضا]
382
ثم إن إنكاركم أن يكون في القرآن واللغة ما لا فائدة له لا نزاع فيه، إنما النزاع في حصركم للفائدة في جهة معينة من غير دليل، وحينئذ لا يبعد أن تكون الباء ههنا زائدة
383
والجواب عن الثالث أنها إنما أفادت التبعيض لقرينة خارجة عن اللفظ لا لمقتضاه وتلك القرينة أن معنى أخذت بركابه تعلقت به تكرمة له وأمسكت بثوبه لئلا يفر، وذلك يحصل بالأخذ بالبعض، ألا ترى أن الإنسان يكتفي في التعلق بالشجرة العظيمة بأن يمسك بعضا من أغصانها فيمنعه من الهوي وتحبس السفينة العظيمة أو الدابة بأن تمسك بطرف حبل متصل مشدود بها. فهذه القرينة أفادت التبعيض لا بمقتضاها
384
وليس النزاع في دلالات القرائن، بل النزاع في دلالة الحرف لذاته وطبعه، واقتضائه ووضعه.
385
الرابع: أن البعض قدر مجهول لتردده بين الأقل والنصف والأكثر وصدقه عليه والتأكيد هو التحقيق والمجهول لا يتحقق لأن التأكيد تابع يحقق الحكم في متبوعه وإذا كان المتبوع مجهولا فكيف يتعلق الحكم وكيف يتحقق فيه وصحة الحكم مفتقرة إلى معرفة المحكوم عليه بخلاف الكل، فإن قدره معلوم بالمشاهدة فيتأتى تحقيق الحكم فيه.
386
وفعله ? حجة بالاتفاق، فيجب اتباعه وجعله بيانا للآية إذ هي مجملة لاحتمالها أوجها كما تقدم.
387
ولأن حصول المشقة لا يستلزم حصول التخفيف؛ لأن أصل العبادات موضوع على المشاق، على ما دل عليه اشتقاقها من التعبد وهو الخضوع والتذلل، وفي ذلك من المشقة على النفس والبدن ما لا ينكر، وإنما تفضل الله تعالى بالتخفيف في بعض محال المشاق دون بعض فلا يجوز إلحاق غير محل التفضل به بمجرد التحكم
........... ولأنه حكم عُلِّق / باسم مطلق، فوجب استيفاء ما تناوله الاسم كقوله: اقتلوا المشركين واقطعوا السراق. ولأن كل موضع من الرأس يسمى رأسا، إذ الرأس ما ترأس وعلا فوجب استيعاب جميع أجزائه عملا بمقتضى الأمر.
ولا يقال: هذا يوجب أن يكون لكل حيوان جماعة رؤوس والإجماع خلافه، وإنما له رأس واحد؛ لأنا نقول: ما ذكرناه مقتضى ظاهر اللغة، والرأس الواحد للحيوان بمنزلة الجنس لتلك المواضع، وهي له كالأقسام والأنواع والله أعلم.
391
ولا يجزئ الاقتصار على مسح الأذنين عن مسح الرأس على الروايات كلها؛ لأنها من الرأس حكما وتبعا لا حقيقة واستعمالا.
395
الاتفاق حاصل والإجماع منعقد في الجاهلية والإسلام على أن الساعي من الصفا إلى المروة يجزيه أن يلصق عقبه بجدار الصفا، ورؤوس أصابع رجليه بالمروة وكذا إذا عاد في الشوط الآخر فيما بعده، ولو دخل مغيا (إلى) في غايتها لوجب أن يكون السعي بين الصفا والمروة كالطواف بالبيت بحيث يشملهما الساعي بسعيه، فيبدأ بالسعي من خلف الصفا إلى خلف المروة ..
395
الإجمال على خلاف الأصل، هذا فيما يدل على معنى في نفسه من الكلم، كالأسماء نحو الشفق والجون والقرء والناهل / والأفعال نحو بان بمعنى بدا واختفى وشام سيفه بمعنى أغمده واخترطه.
ففي الحروف التي لا دلالة لها على معنى في نفسها أولى، لضعفها عن احتمال الإجمال وزيادة الإبهام بدخوله فيها.
397
وأما الأشاعرة فيعتقدون ذلك [الرؤية] مع اعتقادهم أنه ليس في جهة أصلا، ولذلك احتاجوا إلى أن فسروا المراد بالرؤية بأن توجد حالة نسبتها في الانكشاف والظهور إلى ذات الله تعالى كنسبة الحالة المسماة بالإبصار والرؤية إلى المرئيات المشاهدة وهو شغْب وعدول عن الحقيقة.
وأما الكرامية والمجسمة فإنما يجوزون رؤية الله تعالى لاعتقادهم أنه جسم متحيز في مكان، ولولا ذلك لامتنع وجودُه عندهم فضلا عن رؤيته وهو كفر محض.
399
قول الشاعر:
نظرتُ إليها من خلال خصاصِ ............ فأبصرت وجها داعيا لمعاصي
[قال المحقق: لم أقف عليه]
¥