قولهم: الإعراب على المجاورة شاذ ... ليس كذلك، بل المجاورة نوع من أنواع البلاغة والفصاحة كالتشبيه والاستعارة والتنبيه والإيماء والمجاز والتجنيس ونحوها. والبلاغة من أكثر مطالب اللغة والقرآن، حيث نزل للإعجاز والتحدي، ولم نسمع أحدا جعله / شاذا إلا أنتم، بل قد نقله أئمة اللغة كسيبويه وأبي عبيد وأبي زيد والزجاج ولم يذكروا أنه شاذ، مع أنهم بينوا شواذ اللغة وصنفوا فيها / كتبا على القرآن وغيره، ولم يسكتوا عن شيء علموه من ذلك. فدل على بطلان ما ذكرتم
421
قوله: إنما تستعمل المجاورة في غير محل اللبس.
قلنا: نطقت العرب بالمجاورة في الجملة ولم تفرق، على أن اللبس ليس بأشد محذورا من الإجمال، والإجمال في القرآن واللغة كثير، والاعتماد فيه على بيان المبين، وقد حصل اللبس في اللغة كالأسماء المشتركة نحو البين والجون والقرء.
والاعتماد على قرائن الكلام وما يقتضيه السياق.
426
فحديث أوس وحديثا عليّ [يعني في مسح النعلين] محمولة على مسح الخفين، فإن الخف يسمى نعلا، وذكر القدم لا يمنع منه، كما يقال: سجد على ركبتيه ويديه وإن وُجد الحائل، أو يحمل ذلك مع فعل علي رضي الله عنه على نعلين مع جوربين يثبتان بأنفسهما، وأنه مسح الجميع فإنه يجزيه ولا يضر خلع النعلين.
427
واعلم أني إنما بسطت الكلام في هذه المسألة لأن [بعض] فقهاء الرافضة ولع بي في هذا الكلام فيها، واحتج عليّ ببعض ما ذكرتُ في مسلكيهم المذكورين فذكرت بعض ما حضرني من شبههم ههنا وأجبتُ عن كما رأيت.
واعلم أن الرافضة أكثر ما يتعرضون بأهل السنة في هذه المسألة لقوة شبههم من الكتاب والسنة عليها.
وكذلك القدرية أكثر ما يتعرضون للسنة في مسألة القدر وخلق الأفعال لقصور العقل عن الاستقلال بدركها واضطراره فيها إلى ثبوت التسليم والله أعلم.
434
قولهم: (إن حديثي عثمان وعلي خلاف المحفوظ) لا يقدح في الاحتجاج بهما، إذ أكثر الأحاديث مختلفة الظواهر، وحسنُ التصرف الفقهي يجمع بينهما.
438
الله تعالى استعمل التقديم والتأخير في كتابه العزيز لمجرد مراعاة النظم فقط، لا لأجل الأحكام والمعاني.
فمن ذلك قوله تعالى: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} ونحو ذلك كثير لا تظهر له فائدة إلا تصحيح النظم ومراعاة الفواصل.
440
ومنها أنها [من] ترد لبيان الجنس، نحو {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} أي الحاصل، أو الذي حصل من جنس الأوثان، وعلامتها أن يحسن عليها دخول موصول وصلته، إما (الذي) و (التي) وما تصرف منهما، وإما (الألف واللام) كما مثلت لك.
443
ولا يقال: الأصل براءة ذمة المكلف من الزيادة؛ لأنا نقول: هذا إنما يقال إذا كان الدليل المفضي للزيادة ضعيفا، والمقابل له أقوى منه، أما مع تساويهما في القوة فلا، بل يتعين الأخذ بالزيادة، وذلك لأن (من) تفيد (ابتداء الغاية) و (التبعيض) بالوضع اشتراكا.
444
(لا) حرف ثنائي، ترد في الكلام زائدة بمعنى أن نظم الكلام ومعناه في الجملة يتم بدونها، كما ذكرنا في زيادة (من) نحو {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} {ولا الظلمات ولا النور}
445
وذهب الكسائي إلى أن الرافع له [المضارع] حرف المضارعة، وهو باطل لوقوع النصب والجزم عليه مع بقاء عامل الرفع على زعمه.
447
والحق أنه لا حجة لأصحابنا في الآية لأن صيغتها صيغة الخبر بدليل رفعها الفعل بعدها وعلامة رفعه ضم سينه والأصل في المعنى أن يكون تابعا للصيغة فلا يعدل بالمعنى عنها إلا لدليل صالح، وما ظنوه دليلا ليس بصالح للتأويل ولا ضرورة إليه.
454
[اعتراض] وإنما لزمه مائة على الثاني لأن الظاهر مع البائع أنه إنما أراد أن يكون الثمن بعد الوضيعة مائة كاملة وذلك كثير في عرف الناس واصطلاح الباعة أن أحدهم أكثر ما يقصد أن يكون ثمنُ سلعته عقدا صحيحا إذا وقف المشتري قريبا منه، حتى إنهم اصطلحوا على قول أحدهم للآخر (اختم الضوء) ومعناه كمل العقد ولا تجعل داخله نقصا، فيكون ذلك كالشق في الحائط يدخل به الضوء وافعل كما يفعل البناء إذا بقي له في عقد السقف أو غيره موضع لبنة يجعلها في موضعها يختم بها الضوء.
وكثرة هذا منهم قرينة صالحة تدل على أن المراد هاهنا بعد الوضيعة مائة كاملة والقرائن معتبرة شرعا فحمل لفظه على ما يتم معه مراده
455
¥