تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللخيال حينها أن يعمل عمله، فيذهب هنا وهناك، ولتذهب به الظنون كل مذهب!

شيء آخر هنا:

كان بوسع الشاعر أن يقول -بعيدا عن قوانين الوزن-: وأقسمت لا أنسى تماضر ما أغمض العين عاطس!

ولكنه أدخل قولته (دائبا على حبها) معترضة فأجاد بذلك أيما إجادة، من وجوه عدة:

1 - في العبارة إخراج لأي معنى آخر غير الحب، كأن تكون أساءت إليه إساءة لا ينساها من أجلها.

2 - توكيد لحبه لها.

3 - مجيءُ لفظة (دائبا) منتصبة على الحال مفيدٌ معنى ليس في غيرها، فهو لا ينساها ما أغمض العين عاطس، وهو دائب على حبها ما كان غير ناس ولا سال عن حبها، فها هنا علائق متصلة، وكلها متسقة منتظمة في حبل وثيق محكم السبك.

بقي هنا سؤال لأستاذنا أبي الهذيل:

(ما أغمض العين عاطس) هل أبدعها أستاذنا أبو الهذيل على الأمثلة التي ذكرها للأستاذ أبي الطيب النجدي، أو لها نظائر في أدبنا العربي؟

فإن كانت الأولى فلا عجب، فأنتم لذلك أهل، وإن كانت الثانية فليت أنكم تتحفونا بشواهد، ولكم شكر وافر ودعاء صادق.

ثم ما أجمل أن يذكر من شأنها:

من الذاكرات الله في كل غفلةٍ

فالعادة جارية من أمر الشعراء على أوصاف شتى ليس منها هذا الوصف على ما بلغه علمي القاصر، وأرى الشاعر وضعه في مكانه المناسب جدا، ولا يفوتني ذكر روعة مذهبه حين بالغ في الوصف وأجاد فقال: (في كل غفلة)، ومعلوم في الدين أن التعبد على حين غفلة الناس أعظم أجرا، على ما هو معروف من صيام شعبان لأنه زمان غفلة!

فمرحى أديبنا المبدع!

إذا ما عرتني قشعريرة ذكرها

ولم يغن عني صبري المتقاعسُ

فررت بطيات الضلوع على الجوى

إليك ابن إبراهيم والليل دامسُ

صفقت طويلا هنا -أستاذنا أبا الهذيل- لحسن تخلصكم، وتعلمون أن حسن التخلص باب كبير في البلاغة التي أنتم من دهاقنتها ودهاتها!

لكن هنا من حديث الأفئدة ما يهز النفس هزا، وليتأمل المارّون قوله:

(قشعريرة ذكرها) لم يقل ذكرها فحسب!

(صبري المتقاعس) وصفه الصبر بالتقاعس إمعانا في وصفه بالعجز وقلة الحيلة، وقد كان في قوله (ولم يغن عني) غنى عن ذلك، ولكنه حديث الفؤاد لا حديث اللسان!

(فررت) وانظر أي فعل انتقى تعلم ما هو فيه من حال!

(بطيات الضلوع على الجوى) أواه من طيات الضلوع! ثم انظر تخيره لفظة (الجوى)

(والليل دامس) وفي اختياره الليلَ ساعة للفرار معان لا يعقلها إلا من أدرك معاناة السرى، فطال ليله حتى لكأن جفونه عنها قصار، كما قال ابن برد، وصدق حين قال:

لخديك من كفيك في كل ليلةٍ ... إلى أن ترى وجه الصباح وساد

تبيت تراعي الليل ترجو نفاده ... وليس لليل العاشقين نفاد

أستاذنا أبا الهذيل

قد كانت النية على أن أقف على بوحكم هنا بيتا بيتا، فأتأمله ثم أقيّد ما جاش به الفؤاد تفاعلا مع قصيدتكم الرائعة، ولكن الوقت أدركني، وقد جاوزت ما حددته لنفسي في تصفحي للفصيح، وأراني مكرهة على ترك صفحتكم العامرة بكم وبأهل الأدب ممن يمرّ بها، فالتمسوا لأختكم العذر، على أني أعلم أن ما أحمله من بضاعة مزجاة لا تحمل أحدا على التحسر على ذهابي، لكنها قولة لابد منها قبل أن أقطع حديثي فجأة كارهة غير طائعة ولا مختارة.

وفقكم الله وبارك فيكم

ـ[نور صبري]ــــــــ[08 - 10 - 2009, 11:00 ص]ـ

الأستاذة الفاضلة معالي، بعد التحية ..

متّعتنا بهذا النقد الرائع للقصيدة .. وبورك فيك على هذا الصقل الناعم لها ..

لك أطيب السلام ...

ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[08 - 10 - 2009, 06:57 م]ـ

سأهتبل الفرصة هنا لأرحب مجددا بعلمي الفصيح الشامخين، والحاضرين الغائبين: رؤبة الخير ومعالي المعالي؛ فأهلا بهما وسهلا ومرحبا!

قد هشت لكم ديار الفصيح وبشت، وفرحت بمقدمكم وسُرّت؛ لا غرو وقد حل بساحتها الإبداع: شعرا ونقدا، بنهة مميزة و (كاريزما) عالية. فلا حُرم الفصيح من هذه الطلة المميزة؛ بانتظار فيض منكما هطل، وودق متصل.

بوركتما وسلمتما وكُفيتما ووُفّيتما

مع خالص التحايا والمنى،،،

أخوكم/ أبو يحيى

ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[11 - 10 - 2009, 03:15 ص]ـ

أستاذنا الكبير ومبدعنا القدير رؤبة

غبتم طويلا حتى وجد أهل الفصيح عليكم، لولا أنكم أتيتم بشافع لا قبل لهم بردّه، وأعني به هذه الفاتنة التي عهدنا لها أخواتٍ من جنسها جمالا وبهاء وفتنة!

حيا الله عودتكم أيها المسدد، وهنيئا لنا مصافحة الجمال مرة أخرى، وأرجو ألا تكون الأخيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير