تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الكتابة بين الهذيان والترف الفكري]

ـ[محمود عبيدالله]ــــــــ[04 - 12 - 2009, 01:57 م]ـ

" لو وقفتَ عند الحروف واستهوتكَ أسرارُها واشتغلتَ بطلاسمها لتتسلط على الناس، كتبتُك من السحرة الذين لا يفلحون، ومن عبّاد الحرف الذين أشركوا بي، وعبدوا الحرف من دوني ".

مصطفى محمود، كتاب رأيت الله.

لا بدّ لنا بدايةً من وقفة للنظر في تطور النصوص الأدبية وأهم أشكالها قديماً هو القصيدة، فهي كانت بخلفيةٍ جاهلية في العصر الجاهلي، تنتمي لمكان وقبيلة.

ومرت في مرحلة فتور حتى عادت بثوبٍ جديد على يد أبي تمام في العصر العباسي إلا أنها لم تخرج من عباءة البداوة والقبيلة في كل أغراض الشعر، ولكنها كانت أليَن وأطري،وعادت لمرحلة من الفتور لمرحلة طويلة حتى عادت على يد محمود سامي البارودي وتلميذه احمد شوقي.

وهنا خرجت من البداوة إلى المدنية .. أي التبست بأطيافٍ عديدة، والمشكلة حيث يعدها النقاد دخيلة على الأدب؛ ألا وهي شعر التفعيلة والنثر، حيث كان من رواد شعر التفعيلة السياب، ونازك الملائكة، وكان أدونيس من رواد النثر أو الشعر النثري.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأشكال هي مخلفات استعمارية، وان لم يسوِّغ البعضُ هذا الوصف، ولكننا سنجد أن شعر التفعيلة كان في العراق و فلسطين و مصر، وكلها مستعمرات انجليزية حيث كان يقوم وزن القصيدة الإنجليزية على رتم واحد، ويوازي واحدة من التفعيلات الثمانية عند الخليل بن احمد، وكان النثر في سوريا ولبنان، مستعمرات فرنسية حيث كانوا رواد الأدب النثري. ولن نخوض في شعرية شعر التفعيلة، ولا النثر حيث أنه ليس موضوعنا.

هذه مقدمة للدخول في الموضوع، من هنا بدأت المشكلة من استلهامنا لأشكال شعرية غربية أو غريبة قادت إلى الاعتماد على الرمز والغموض، والإبهام في النصوص، وأصبحت ظاهرة في أحيان قليلة يحيط بها ثقافة واسعة، وفي معظم الأحيان لا تعدو سوى تراكيب لا معنى لها ولا مغزى، وكثير من الدخلاء على الأدب من وجدوا فسحة للكتابة والنشر هنا أو هنا أصبحت تستهويهم الرموز والضبابية في اللفظ، حتى يتسنى لهم التلاعب بالأفكار، ويُحمّلوا النصوص ما لا تحتمل، حتى وصل الأمر بالنقاد مثلا أنهم أشاروا إلى قصيدة محمود درويش " ريتا " بأنها ترمز للوطن، في حين أن من يقرأ لدرويش يعي تماما أنها لم تكن سوى ريتا.

وفعل كهذا يشكل إغراءً أكبر للكتاب في الإيغال في الغموض، ولو أن محمود درويش نفسه من قال، "فلا كانت قصائدنا إذا لم يفهم البسطاء معانيها " في أوائل دواوينه.

وبتنوع أشكال القصيدة بين التفعيلة والنثر والعمودي غطتْ كافة المواضيع القديمة للشعر من غزل وهجاء ومديح ورثاء الخ.

ولا خلاف على أن ما ورد فيه فحش فهو منهيٌّ عنه، وليتسع صدركم لي لأني سأتناول القضية من زاوية ثقافية إسلامية.

وهنا لا بد أن نشير إلى أن الفحش المنهيّ عنه؛ فحش في اللفظ أو المضمون، وهذا يقودنا مباشرة إلى غاية الكتابة، طبعا أقصد - مرة أخرى - بالكتابة التي تكتب لتنشر، ولو كنا واقعيين أكثر لارتأينا أن الكتابة حتى الوطنية منها ستميل بطريقة أو بأخرى لوجهة الكاتب، ولن تكون موضوعية بحد عالي، وذلك لأننا بشر ولسنا آلات، نستطيع التعبير دون انفعالات، فترى الكتابة تميل للحزبية أو الأيدلوجية التي يعتقد بها الكاتب.

ومن هنا نقول بأن كاتب نشر ما كتبه، يكون يرى أن لديه شيء ما يريد أن يوصله للآخرين، على شكل رسالة، وإن قال قائل أنه ما من رسالة لديه فنشره سيكون عبثياً أو لغايات يعلمها هو وحده ولكنها شخصية بحتة ولا تنم عن قضية – فضلا عمن يعتبر المشاعر الشخصية قضية- وهنا سيدخل في الهذيان والترف الفكري. وهذا تحديداً ما نحن بصددِه.

وأعجبني استهلالٌ لكاتبٍ بداية كتابه حيث قال:-

الكتاب لخاصة الخاصة الذين يحبون التأمل والعيش مع الحرف، ويصاحبون المعاني وليس للعوام الذين يقرؤون للمتعة العابرة.

فالغاية والفكرة ضرورية في أي نصّ يكتب وينشر، وإلا لكان نصّاً لا قيمة له، وبهذا الموضوع يعجبني تعبير مالك بن نبي حيث يقول:-

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير