رضية الدين؟ السلطانة الدَّمَوِيَّةُ التي لا يعرفه
ـ[أبو المظفر السناري]ــــــــ[03 - 11 - 2009, 10:20 م]ـ
رضية الدين؟ السلطانة الدَّمَوِيَّةُ التي لا يعرفها أحد؟!
هي تلك المرأة التي أفاض الله عليها مِنْ نَعْمَائه: الشيئَ الكثير، وساق إليها من أبكار كرائمه: كلَّ خيرٍ وفير.
فوهبها جمالًا ووقارًا: جعل أعناق الخُطَّاب تميل إزائَها من كل جانب!
ورزقها صَبَاحةً ومَلاَحةً: ترنوا إليها أحداق الراغبين من المشارق والمغارب!
فكانتْ إذا تكلَّمتْ: نَثَرَتِ الجواهر والدُّرر! وإذا أسْفَرتْ: كَشَفَتْ عن قَمَر!
بل كانتْ طلْعتُها: كالبدر التَّمَام، ورُؤْيتُها: تِرْياقٌ نافعٌ لهاتيك الأدْوَاءِ والأسقام!
هذا: مع بلاغةِ مَنْطِقٍ: تقِفُ أمامها ألسنةُ البُلَغاء متعَجِّبة!
وحلاوةِ لسانٍ: تظلُّ شمس الجمال من حُسْنها مُتَحَجِّبة!
ناهيك عما حبَاها الله مِنْ: إِقْدَامٍ جعلها تُناهضُ به فحولَ الفرسان في ميدان الأبطال!
وشجاعةٍ: صارتْ تخوض بها في مسْتنقعات معارك الموت وهي تشاهد سيوف المنايا تحْصدُ رءوس شجعان الرجال!
هذا كله: مع بصيرةٍ وقَّادة كالشمس حين يشرق نورها على صفحات الدنيا فَيُضيئَ مُرُوجَها ومَبَانيها!
وقريحةٍ نفَّاذةٍ: ظلّتْ تسير بها حيث سارتْ شموسُ أيامها وبدورُ لياليها!
وذكاءٍ ودهاءٍ: لم تُعْرفُ به امرأةٌ قبلها! ولا ضاهتْها في ذلك مَلِكةٌ ممنْ جاءتْ بعدها!
لكنها: سَرْعانَ ما أنكرتْ أفضال خالقها ومولاها! وتنكَّبتْ عن الخنوع والخضوع للَّذي خلقها فسوَّاها!
فلم تقُمْ بشكر ما أنعم الله به عليها! ولا تقدَّمتْ بين يديه بحمده على تلك الخيرات التي ساقَتْهَا ركائبُ أقْدَاره إليها!
بل تغَافَلتْ عن كل ذلك! وتَعَامَتْ عما هنالك! ورفَعَتْ ألْوِيَةَ العدوان على كلِّ مَنْ نَابَذَها من المسلمين! ونَصَبتْ أعلامَ السُّخط على سائر الناصحين لها من الموحدين!
فَرَكِبَتْ جواد الكبرياء، وظنَّتْ أنها سلطانةُ الأرض وملكةُ السماء!
وخاضتْ بجيوشها في أوْدية تلك الدماء التي سُفِكَتْ – بأمرها - تحتْ قدميْها! وجعلتْ تَسْبَحَ في بحور هاتيك المصائب التي أوقدت نيرانها بين يديها!
ليس هذا فحسب! بل اتخذَتْ من جمالها سهامًا: جعلتْ ترمي بها في نحور المفتُونين بِسمْتِها و حُسْنِها!
وَصَيَّرتْ مِنْ رُمُوشِ جفونها نِبَالا: ظلتْ تَرْشُقُ بها أنظارَ المغرمين بِطَرْفِهَا ولَحْظِهَا!
وما بَرِحَتْ تُؤلِّب بالوقيعة بين الراغبين في وِصالها! وتُؤرِّجُ بالخديعة بين المأسورين بسلطان جمالها! حتى أطلّتْ أعناقُ الفتن برءوسها في تلك الممالك من ديار الإسلام! وخَطَبتْ السيوف على منابر رقابِ الضعفاء والمساكين من الأنام! إلى أن أصبح الدين من هؤلاء في أنِين! وأكثر الناس منهم في بلاء مبين.
وهكذا: ظلَّلتْ تلك المرأة هائمةً في فيافي كبريائها! وحائمةً فوق أعلام غرورها! ومستمسكةً بسلاح جمالها! وطامعةً في مناطحة الجوزاء في عَلْيائها! حتى جرَّتْها الدنيا بسلاسل قيودها المُرْصَدة، وأغْلَقتْ عليها أبواب جحيمها المؤْصَدة!
ورفع الله عنها ستره الجميل، وأمسك عليها ما كان أولاها من النعيم الجليل، وتركها تسقط من حيث قامت! وتغرق في بحور جناياتها حتى تلاشتْ أنفاسها وغابتْ!
ويوم القيامة سوف يُحْصِي عليها ويُعيد! [وما ربك بظلاَّم للعبيد]
اسمها ونسبها: تلك المرأة: هي السلطانة رضيَّةُ الدين بنتُ السلطان شمس الدين لَلْمِش، سلطانة الهند في منتصف القرن السابع الهجري، وأول من حكم مدينة دهلي [دلهي] سنة 626 / هجرية / 1229/ ميلاديًا.
تابع البقية ...