[المثاقفة. ضرورة اجتماعية و حاجة عصرية]
ـ[فادي دخان]ــــــــ[09 - 07 - 2006, 04:47 م]ـ
لأننا نعيش في عصر اختلاط المصطلحات و تداخل المفاهيم كان لابد- بدايةً- من تبيان لمبنى الثقافة و معناها قبل الدخول إلى مفهوم المثاقفة. فالثقافة ضرورة من ضرورات الوعي الاجتماعي, و ليست حاجة علمية مقتصرة على رواد المكتبات أو المؤسسات العلمية, فتعريف الثقافة بأنها: الأخذ من كل علم بطرف, أو هي أن نعرف شيئاً عن كل شيء إنما هو تعريف سطحي بسيط. علة ذلك أنه مقتصر على بعض أولئك الذين تصفحوا الكتب وارتدوا الجامعات, دون النظر إلى الدور الذي تلعبه علوم الحياة و تجاربها.
إن معاركة الحياة اليومية تشكل بنية معرفية عند المُعارِك لها, هي بنية قائمة على الاحتكاك الاجتماعي ضمن العائلة أو الأقارب أو حتى مجتمعنا القريب الذي نعيش و إياه, هذا التراكم المعرفي لدينا يشكل ما يسمى اليوم بمصطلح (الثقافة الاجتماعية) أو (الديالكتيك) - بحسب ماركس - هذه الثقافة ليست حكراً على المتعلمين و أصحاب الشهادات و ما كان منبعها بطون الكتب أو عقول الأساتذة الجامعيين. إنها قابعة في مفاصل الحياة اليومية و مجرياتها. إنها في وعي الحكماء و قلوب المؤمنين.
فلنضرب مثلاًً على ذلك, إن مشهد عجوزٍ يعبر شارعاً مكتظاً بالسيارات و بمساعدة أحد المارة, إنما هو مشهد يشكل بنيةً ثقافيةً و معرفية تجاهه. و كثيرةٌ هي مواقف الحياة التي تعكس في داخلنا جملة انفعالات أو تساؤلات أو معارف, فقد أتفاعل مع الحدث الحياتي الذي أمامي تفاعلاًَ عاطفياً, أو قد أقف متسائلاً متردداً دون الوصول إلى حكم جازم أو حلٍ مناسب, أو قد أستوعبه و أفهمه بما أمتلكه من خبرات و معارف كامنةٍ في أعماقي. و لهذه الانعكاسات الثلاثة عندي فائدةٌ هي أنها تشكل حجراً في هرمي الثقافي.
فالثقافة الاجتماعية, إذاً, ملكُ للجميع, و ضرورة ٌ مُجبَر على تلقيها الجميع لكنها كالمادة الخام, بحاجة إلى معالجة ذاتية داخل النفس الإنسانية, و من ثم تكوينها صورةً من صور الوعي الاجتماعي لدينا. فنحن مستقبلون و متلقون لكل ما يجري من حولنا, لكننا لسنا بالجملة عارفين أو مدركين الذي يجري بمجمله أو بتفصيله.
فكلُ إنسان مستقبل, لكنه ليس كلًُ مستقبلٍ مدركاً ما يستقبله و واعياً. فالثقافة -إذاً- وعيٌ و تفهم و إدراك داخلي لمجريات الحياة الدقيقة و حوادثها, و من ثم التعامل مع هذه الحوادث وفق هذا الوعي لا وفق الموقف الانفعالي البدائي فقط.
قد نفهم من ذلك أننا مجتمعٌ مثقف بمجمله, و هذا صحيح, لكن معظمنا لا يعمل وفقاً لهذه الثقافة, و لا يستفيد منها أو يستهلكها, و هكذا يغدو وجودها كعدمها. لذلك كان على المثقف منا أن يتصرف بحسب ثقافته النسبية و بحسب وعيه لما ثقفه من العالم من حوله, و بذلك يكون قد بدأ يعمل بما يعلم. و يكون قد شكل الجسر الذي سيعبر من خلاله إلى مثاقفة الغير
وتبادل الوعي معهم. ..... يتبع في الأعداد القادمة
حرِر في:
دمشق 15/ 3/2006 م بقلم ((فادي دخان))