[أصول لـ (محمود محمد شاكر) في بيتين للمتنبي ...........]
ـ[متعصب للمتنبي]ــــــــ[10 - 09 - 2006, 10:08 ص]ـ
قبل أي شيء , أطلب منكم أن تلقوا باسمي المستعار خلف أظهركم لأنه ــ وعلى ما يبدو ــ يسبب لبعضكم بعض الحساسية من مواضيعي , وهذا الطلب وضعته في هذا الموضوع لأهميته و كم الإبداع الموجود عند هذا الرجل
(محمود محمد شاكر) أبو فهر , فهو من الأدباء النادرين جداً الذين اعتمدوا منهج (التذوق الشعري) في دراستهم لأي شخصية من الشخصيات الشعرية العربية , فأبو فهر أخرج لنا كتابه الموسوم بـ (المتنبي ... رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) , و من خلال تذوقه الشعري استخرج أصول نفسية من بيتين للمتنبي (ولابد من الإشارة هنا إلى أن محمود شاكر أثبت بأدلته أن المتنبي علويّ و العلويون في عهد المتنبي ينفون هذا الشيء).
فمحمود شاكر سواء كنت معه أو ضده فيما ذهب إليه و لكنه أبدع في الأخذ من هذين البيتين ما يؤيد قوله.
كلام (محمود محمد شاكر):
أن الغلام , وهو صغير بالمكتب , كانت له وفرة من الشَّعر تسيل على أذنيه , و كانت حسنة جميلة فقال له بعض أصحابه من الفتيان (العلويين): يا أحمد "ما أحسن هذه الوفرة"؟ فكان جوابه أعجب جواب من صبيّ في مكتب:
لا تَحْسُنُ الوَفْرَة حَتَّى تُرى ..... مَنْشُورَةَ الضَّفْرَين يَوْمَ القِتَالْ
على فتىً مُعْتَقِلٍ صَعْدَةً ........ يَعُلُّها مِنْ كُلِّ وَافي السِّبَالْ
معاني الكلمات في البيتين:
- (الضفر): الخصلة المضفورة من الشعر كالغديرة.
- (معتقل صعدة): أي حامل رمحه إلى الحرب.
- (يعلها): أي يسقيها الدم مرة بعد مرة.
- (الوافي السبال): هو الطويل اللحية.
فظُنّ ما شئتَ بغلام في مثل سنّهِ , لا يزال في أوَّلِ طَلبه للعلم يقول مثل هذا القول , و يحسن أن نطيل القول قليلاً في هذين البيتين , ففيهما أصول كثيرة من حياة الرجل و نفسيته فيما بعد:
(الأصل الأول): هو هذا الالتفات الشِعري الجميل من المعنى المحدود بغرض قائله , إلى المعنى المترامي بخيال سامعه , فإن أصحابه كانوا يُعجِّبونه من حسن وفرته و استرسالها ولينها , فتجاوز صاحبنا هذا بخياله من الصورة الحاضرة على الصورة التي يريد أن يراها , شعثاء غبراء يوم ينشر مضفورها يوم القتال بين الغبار الثائر و الدم المهراق. و هذا إثباتٌ للأصل الشعري القائم في نفسه.
(الأصل الثاني):هو الرجولة و الفتوة , و بُعد الهمة , و عِظم المطلب. وانصرافه عن سفاسف إلى معاليها , لا يعبأ بلذةٍ لا تجدي خيراً , ولا تؤتي ثمراً , و إنما يجد لذته فيما يأتيه بما يريد , ولو كان فيه شقاؤه و جهده , وقد شرح صاحبنا هذا المعنى النفسي في شعره بعدُ فقال:
سبحان خالق نفسي , كيف لذتها ...... فيما تراه النفوس غاية الألمِ
الدهر يعجبُ من حملي نوائبهُ ...... و صبرِ نفسي على أحداثِهِ الحُطَمِ
و هذا أصل رجولته و فتوته النفسية التي ظهرت و استعلنت في كل شعره حتى صار بها فذّاً أوحَدَ.
(الأصل الثالث): هو الثورة الدائمة , فأنت تراه من صغره هكذا , لا يريد إلا القتال و الدم.
(الأصل الرابع): أن هذين البيتين من صغير كقائلهما , يضمران وراءهما معنىً آخر غير هذه المعاني, و هو أنه مُنَشَّأٌ على طلب الثأر من عدوٍ , فهو لا يزال ينقل الصورة من وضع إلى وضع آخر يُرضي ما يدور في نفسه من المعاني المحددة بطفولته , وما غُذيت به من الآراء و الأخلاق. و إن شئت فتدبر السر العجيب في قوله (يعلها) , أي يسقيها الدم مرة بعد مرة , لا يكتفي بواحدة , و تعجّب من قوة الأصل الشعري في هذا الغلام , و من طغيان الحقد و الثأر على قلبه الصغير.
(الأصل الخامس): هو بيانه الخفي عهن عدوه الذي يريد أ يحاربه , وقد صرّح بذلك في قوله (كل وافي السبال) , فانظر من أراد هذا الصغير بهذه الصيغة؟ أتراه عنى كل كبير السن ذي لحية طويلة؟ أتُرى ذلك!! كلاّ , فالبيِّن البيِّن أنه أراد قوماً بأعيانهم كنى عنهم بهذه الصيغة؟ و من هؤلاء الذين يريدهم بهذه الصفة؟ أليس من المعقول أن هذا الصغير إنما يتجه خياله إلى أقرب الناس إليه في بلده , ثم إلى الذين أوحت إليه جدَّته بأن بينها و بينهم سخيمة من العداوة؟ ومن يكن هؤلاء من أهل بلده إلا مشيخة العلويين الذين أنزلوا الهوان به و بجدته.
(الأصل السادس): أن هذه الثورة التي تلبست به و أخذت عليه مذاهبه في حياته , إنما هي من أثر جدته , إذ باحت له بسرَها , و ألقت إليه بمكنون صدرها. و ذلك لأن الفتى الصغير لا يكاد يدرك هذه المعاني كلها و يسيغها حتى تظهر هكذا مسهلة على لسانه , إلا أن يكون قد أخذ بها , وهيئ لها , و أعطى من نفس غيره قوة تخرجه من طبيعة الطفولة , إلى عادة الرجولة و الفتوة.
المصدر:
كتاب (المتنبي ... رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) , الصفحات (183) , (184) , (185) , الناشر (مطبعة المدني) , تاريخ النشر (1407هـ).
نقطة آخر السطر
في النهاية لي سؤال في موضوعي هذا و آخر يختص بمحمود شاكر ..
* ما رأيكم فيما ذهب إليه محمود شاكر؟
* هل صحيح ما قيل لي ــ و العهدة على الراوي ــ أنه عندما مات محمود محمد شاكر رحمه الله قيل عنه (وفاة آخر الرجال المحترمين)؟
¥