تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السبيل إلى فنّ المقالة - د. محمد بن سليمان القسومي

ـ[أم هشام]ــــــــ[15 - 08 - 2006, 02:54 ص]ـ

المقالة أحد الأجناس النثرية المهمة؛ لكنها لم تلق عناية الدارسين والناقدين كالشعر والقصة والمسرحية , وبات الإحساس لدى بعض الكتاب والمتابعين للحركة الثقافية أن اقتحام هذا اللون من الأدب ليس بحاجة إلى إبداع في التناول؛ لأن الأمر – في نظرهم - لا يكاد يتعدى إيصال المعلومات العامة , أو الحديث عن الأحوال الجارية.

ويبدو أن استئثار الفنون الأدبية السابقة بعناية النقاد قد صرفهم عن المقالة , حتى إننا لا نكاد نجد اتفاقاً فيما بينهم حول مفهومها والمنهج الذي ينبغي أن تسير عليه؛ ولذلك الأثر الكبير في تلك النظرة لهذا اللون من الفن الأدبي.

وقد لا يعنينا كثيراً التعريفات العديدة للمقالة , وتباين آراء النقاد والباحثين حول ماهيتها؛ فحسبنا إلقاء نظرات على فن المقالة , متناولين أحد التعريفات , لننطلق من خلاله إلى بلورة مفهومها , وما ينبغي على الناشئة إدراكه؛ للحاق بالنابهين من كتاب هذا الجنس الأدبي.

فالمقالة فنّ أثير لدى كثير من الأدباء والكتبة , يبثون من خلاله أفكارهم , ويعبرون عن خواطرهم وما يجول في صدورهم من أحاسيس ومشاعر. وبقدر ما يبثّه الكاتب في مقالته من عناصر شخصية يكون نوع المقالة (ذاتية أو موضوعية)؛ ففي المقالة الأدبية – مثلاً - تكون الكتابة فنية يعرض فيها الكاتب خواطره بأسلوب جميل، مثير، تبرز من خلاله مشاعره , فتتضح ذاتيتها ,كما أن الموضوعية تصبح واضحة في المقالة العلمية , حينما يعرض الكاتب نظرية من نظريات العلم , أو مشكلة من مشكلاته , عرضاً موضوعيًّا متكئاً على الأدلة والبراهين. غير أننا نجد من المقالات ما جمع أصحابها بين طرفي الذات والموضوع بأسلوب ينبئ عن أن الفصل بين الذات والموضوع ليس بالأمر اليسير , وهذا ما يزيد من الصعوبة في وضع حدود فارقة بين المقالة الذاتية والمقالة الموضوعية في بعض الأحيان، لكننا يمكن أن نستجلي ذلك بالنظر إلى شخصية الكاتب في مقالته , فإن كانت طاغية (بارزة) من خلال أسلوبه فهي مقالة ذاتية؛ فالمقالة الذاتية إذن تصور موضوعها من خلال اعتقاد الكاتب وما يثيره من انفعال قد تنبثق من خلاله بعض الصور الخيالية , خلافاً للمقالة الموضوعية التي تركز على الموضوع نفسه. والكاتب فيها بمنأى عن الخيال؛ لأنه حريص على المحافظة على موضوعه مراعياً البناء وما يتطلبه من مقدمة، وعرض، ونتيجة.

والمقالة – كما ذكر الأستاذ أحمد الشايب – تطلق ((على الموضوع المكتوب الذي يوضح رأياً خاصًّا، وفكرة عامة، أو مسألة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية , يشرحها الكاتب، ويؤيدها بالبراهين. والمقالة من الأدب بمعناه العام أو العلم بمعناه العام تقوم على عنصرين رئيسين: المادة والأسلوب , ولها بعد ذلك خطة أو أسلوب عقلي)). (الأسلوب , مكتبة النهضة المصرية , ط 8 , 1988م , ص94).

ويعني الأستاذ الشايب بالمادة (المضمون) وما يحويه من أفكار وعاطفة , كما يعني بالأسلوب (الشكل): لغة وصورة وموسيقا. ومن عناصر الشكل أيضاً بناء المقالة , الذي ذكره الأستاذ الشايب في آخر تعريفه , مشيراً إلى أنه الخطة أو الأسلوب العقلي. وقد أراد بالأسلوب العقلي (الوحدة المنطقية) , أي أن يكون للمقالة مقدمة وعرض وخاتمة , مبتغياً بذلك أن تصاغ بطريقة تسلسلية , بحيث تصبح كل قضية نتيجة لما قبلها , مقدمة لما بعدها , حتى تنتهي إلى الغاية المقصودة.

والواضح أن الناقد – أعني الأستاذ الشايب - قد أراد أن يكون هذا التعريف شاملاً للمقالة الذاتية والمقالة الموضوعية بمجالاتهما الواسعة , المشتملة على ما في الوجود من حقائق , وآمال , وآلام , وخير , وشر.

والحقيقة أن هذا الكلام قد يكون مواتياً في المقالة الموضوعية التي عادة ما تخاطب العقل أكثر من إثارتها للعاطفة , لكنه قد لا يتحقق في بعض المقالات الذاتية التي هي أقرب ما تكون إلى الخاطرة , أو القصيدة الغنائية التي تنثال من ذهن مبدعها على غير نسق منطقي (تسلسلي)؛ ذلك أن من المقالات ما قد تخضع لنزعات مبدعها وما تمليه عليه موهبته , فيدخل – مثلاً - في موضوعه مباشرة دون مقدمة , ولا يكون في ذلك إخلال ببنائها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير