تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رقأ الدمع والدم: انقطع، فأصله الهمز؛ ولكنه لينه هنا للضرورة يقول: لما ماتت انقطع ما كان يجري من دمعها على فراقي ويبست جفونها عن الدمع وسليت عني بعدما أدمى حبي قلبها في حياتها.

9 - ولم يُسلِها إِلا المَنايا وإِنَّما أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ الذي أَذهَبَ السُّقما

يقول: لم يسلها عني إلا الموت وقد ذهب به ما نالها من السقم جزعًا على، ولكن الذي أذهب ذلك السقم كان أشد عليها من السقم كما قال أبو تمام:

أَقُولُ وَقَدْ قَالُوا اسْتَرَاحَ بِمَوْتِهَا مِنَ الْكَرْبِ رُوحُ الْمَوْتِ شَرٌّ مِنَ الْكَرْبِ

ومثله له:

أَجَارَكَ الْمَكْرُوهُ مِن مِثْلِهِ فَاقِرةٌ نَجَّتْكَ مِنْ فَاقِرةٍ

(الفاقرة: الداهية الكاسرة لفقار الظهر.)

10 - وكُنْتُ قُبيلَ المَوتِ أَستَعظِمُ النَّوَى فقد صارَتِ الصُّغرى التَّي كانَتِ العُظْمى

قبيل: تصغير قبل؛ والنوى البعد. يقول: كنت قبل موتها استعظم فراقها فلما ماتت صارت حادثة الفراق صغيرة وكانت عظيمة، يعني أن موتها أعظم من فراقها.

11 - هَبِيني أخذتُ الثأرَ فيكِ مِنَ العِدَى فكَيفَ بأخذِ الثأرِ فيكِ منَ الحُمَّى

لَوْ كُنْتَ تُمْنَعُ خاض نَحْوَكَ فِتيَةٌ مِنَّا بِحارَ عَوَامِلٍ وَشِفارِ.

يقول: اجعليني واحسبيني بمنزلة من أخذ ثأرك من الأعداء لو قتلوك فكيف آخذ ثأرك من العلة التي قتلتك، وهي العدو الذي لا سبيل إليه قالوا وفيه نظر إلى قول عمران بن حطان:

وَلَمْ يُغْنِ عَنْكَ الْمَوْتُ يَا حَمْزَ إِذْ أَتَى رِجَالٌ بِأَيْدِيهمْ سُيُوفٌ قَوَاضِبُ

(حمز: ترخيم حمزة، وقواضب: قواطع:) وأحسن فيه أبوالحسن التهامي:

لَوْ كُنْتَ تُمْنَعُ خَاضَ نَحْوكَ فِتْيَةٌ مِنَّا بِحَارَ عَوَامِلٍ وَشِفَارٍ

(عوامل: جمع عامل وعامل الرمح: صدره، والمراد الرماح نفسها، والشفار: جمع شفرة والشفرة ما عرض من الحديد وحدد، والمراد السيوف.)

12 - وما انسَدَّت الدنيا عليَّ لِضيقِها ولكِن طَرفًا لا أَراكِ بِهِ أَعمَى

يقول: إنه قد صار لفقدها كالأعمى فانسدت عليه المسالك لذلك، لا لأن الدنيا قد ضاقت.

13 - تَغَرَّبَ لا مُستَعظِمًا غَيرَ نَفْسهِ ولا قابِلاً إلاَّ لخالِقِهِ حُكْما

يقول: ولدت مني رجلا تغرب عن بلاده: أي خرج عن بلده إلى الغربة لأنه لا يستعظم غير نفسه، فأراد أن يغادر الذين كانوا يتعظمون عليه بغيراستحقاق، ولا يقبل حكم أحد عليه إلا حكم اللّه الذي خلقه

14 - ولا سالكًا إِلا فؤَادَ عَجاجَةٍ ولا واجِدًا إلا لِمكْرُمَةٍ طَعْما

العجاجة: الغبار. يقول. ولا أسلك طريقا إلا قلب غبار الحرب، ولا أستلذ طعم شيء إلا طعم المكارم: يعني لا أجد لذتي إلا في الحرب والمكارم.

15 - يَقُولونَ لي ما أَنْتَ في كُلّ بَلْدَةٍ وما تَبتغي؟ ما أَبتَغي جَلَّ أَنْ يُسمَى

ما أنت: قال بعض الشراح: أي ما أنت صانع. على حذف الخبر، أو ما تصنع على حذف الفعل وإبراز الضمير. وقال العكبري. (ما) واقعة على صفات من يعقل فإذا قال ما أنت، فالمراد أي شيء أنت فتقول كاتب أو شاعر أو فقيه. يقول: يقول الناس لي لما يرون من كثرة أسفاري: أي شيء أنت فإنا نراك في كل بلدة وما الذي تطلبه؟ فأقول لهم: إن ما أطلبه أجل من أن يذكر اسمه، يعني قتل الملوك والاستِيلاء على ملكهم.

16 - وما الجمعُ بينَ الماءِ والنّارِ في يَدِي بِأَصْعَبَ مِنْ أَنْ أَجمَعَ الجَدَّ والفَهْما

الجد: الحظ والبخت. يقول: إن الفهم والعلم والعقل لا تجتمع مع الحظ في الدنيا، وليس الجمع بين الضدين كالماء والنار بأصعب من الجمع بين الحظ والفهم: أي فهما لا يجتمعان كما لا يجتمع الضدان، وهذا كالتفسير لقول الحمدوني:

إِنّ المُقَدِّمَ فِي حِذْقٍ بِصَنْعَتِهِ أَنّى تَوَجّهَ فِيهَا فَهُوَ مَحْرُومُ

وقد وفينا القول على هذا المعنى في غير موضع من هذا الشرح.

17 - وإِنّي لَمِن قَومٍ كأنَّ نُفوسهُم بِها أَنفٌ أَنْ تَسكُنَ اللحمَ والعَظْمَا

الأنف: الاستنكاف من الشيء. يقول: إني من قوم ديدنهم التعرض أبدا للحرب ليقتلوا، فكأن نفوسنا ترى السكنى في أجساد هي لحم وعظم عارا تأنف منه، ومن ثم تتطلع لسكنى غيرها لتتخلص من هذا العار: أي تختارالقتل على الحياة. قال الواحدي ولو قال: كأن نفوسهم لكان أوجه لإعادة الضمير على لفظ الغيبة، لكنه قال نفوسنا لأنهم هم القوم الذين عناهم، ولأن هذا أمدح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير