بالأمس تركت لكم مقامة بيرم التونسي " المنزولجية" ومررت اليوم فلم أجد ثمة مشاركة، أفتدخلون يوما، وتبتعدون يوما؟
على أية حال أترك لكم هذه المقامة:
المقامة الهبابية
قال السيد بن سهران
خرجت من الحان كمن خرف، تخط رجلاي بخط مختلف، كأنما تكتبان لام ألف0
وكان خروجي في الصباح، بعد أن أفنينا الراح، فركبت الترام، وقبل أن يزمع القيام، ركبت أمامي امرأة، مليحة مستمرأة، فملأت المقعد، وكادت تكسر المصعد، ثم جلست تتلمظ تحت البرقع، وتعلك اللبان وتطرقع، فحرت في أمري، وقلت في سري:
لهفي عليك وأنت في هذا المصاغ مدندشه
بغلالة زرقاء بالقصب المضيء مزركشه
تهدي الى أنفي طيوبا من روائح منعشه
وأكون يومئذ معدا، عائدا من محششه
والناس قد هجعت ونحن وشأننا في وشوشه
ما ان سوى الأنفاس تسترها لثوبك خشخشه
تالله لو صدق الهوى لأقرمشنك قرمشه
وأعض هذا الزند بالأسنان حتى أنقشه
بل أشتهي – والله- من قرمي له أن أنهشهقال: فأطالت النظر الي، وضحكت حتى كادت تميل علي، فسكت ولم أكلمها، لكن رددت لها الضحكة بأحسن منها 0
قلت: والله ان المرأة لمخلوق عجيب، وألمعي أريب 00 اذا نظر الرجل اليها فهمت نظرته، وعرفت سريرته، وقد عادت السيدة الى الضحك واستغرقت فيه، ولم تستطع أن تكتمه أو تخفيه وجلسنا نضحك نحن الاثنان، وعيناي في عينيها ثابتتان 0
وكان في الركاب جماعة من الفضوليين، الذين يتداخلون في أمور المحبين، فأخذوا يضحكون معنا، حتى تصدعنا 0
فصحت في الركاب وقلت: أيها الكلاب 00 علام تضحكون، ولأي شيء تتمحكون، ونحن نضحك من شيء نفهمه، وليس فيكم من يعلمه، فليلزم كل منكم مكانه، وليقطع لسانه 0
قال: فسكتوا عن الكلام 000 ثم وقف الترام، فقامت ونزلت، فتبعتها، فوقفت وأصلحت هيأتها واعتدلت
فقلت:
ألست توافقين بأن مصرا = تغص بأهلها المتأخرينا فأشارت وافقة، فقلت:
أراهم كلما نظروا لأنثى = غدوا كالبهم غير مؤدبينا
قالت: دعهم يضحكوا ويلعبوا، فقلت:
كلانا ضاحك من فرط حب = فما للقوم أيضا يضحكونا؟
قالت: هذا طبعهم، فقلت:
لنتركهم كأنعام وقولي = الى أي المذاهب تذهبينا؟
قالت: أزور خالتي في السبتية، فقلت:
صلي الخالات في يوم مطير = وهذا اليوم معتدل، صلينا
فقالت: اتبعني أستأذنها، وأطلب منها السماح 0
فتبعتها، حتى أوقفتني أمام دكان حلاق، وقالت: هنا يكون التلاق 00 وسأغيب نصف ساعة على الأكثر، ولن أتأخر 0
فقلت: هذه فرصة أحلق فيها ذقني 00 حتى لا تقولي انها تشكني أو تحرقني0
فلما جلست أمام المرأة 00 رأيت منظرا يضحك كل من رآه00
فقد عمد الجماعة الذين أسكروني00 الى الهباب وخططوني 00 ولخبطوا وجهي ونقرشوني 00 فكان ضحك المرأة والركاب 00 من هذا الهباب0
أما المرأة التي واعدتني 00 فانها تركتني 00 ولم تسأل عني 00 فلعنت أولئك الأصحاب 00 وعزمت على ترك الشراب 00 وسبحان مسبب الأسباب0
ـ[الأخطل الوسيط]ــــــــ[18 - 04 - 2009, 09:04 ص]ـ
اذا أراد أحد مقامة جديدة فلي مقامة بعنوان " خنفشارية الزمن الرديء" بهذا المنتدى، لكم الشكر سلفا على التعليق سلبا وايجابا
ـ[محاكاة]ــــــــ[22 - 04 - 2009, 08:03 ص]ـ
شكرا لك أخي الأخطل الوسيط على تفاعلك واهتمامك ...
وقد استفدت كثيرا من إشارتك اللطيفة إلى مقامات (التونسي) ...
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 06:20 م]ـ
هناك مقامات أدبية للدكتور فواز اللعبون (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 06:22 م]ـ
و مقامات أدبية كذلك لجبران سحاري (مؤسس مدرسة النقد).
ـ[الأخطل الوسيط]ــــــــ[01 - 05 - 2009, 05:53 ص]ـ
هلا أتيت ببعضها، أختنا الكريمة
ليتنوع الطرح؟
ـ[عاصم]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 04:46 ص]ـ
الأستاذ الشاب جبران سحاري
له إبداع في فن المقامة والشعر واللغة عموماً
سأدله إن شاء الله على هذا الموقع الرائع لعله يجد الوقت للمشاركة في هذا الصرح.
ـ[رزين]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 02:34 م]ـ
جميل جداً هذا الإثراء الأدبي لفن قد أهمل
لكم الشكر على طرح هذه المواضيع الجميلة