فآويت إلى قريش، وتكلمت الأنصار، فأطالوا الخطاب وأكثروا الصواب وتكلم أبو بكر رضي الله عنه فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخطاب والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه ثم تكلم عمر رضي الله عنه بعده دون كلامه ومد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه.
قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم
لما رأيت الناس في عسلانهم
من بين ملحود له ومضرح
متبادرين لشرجع بأكفهم
نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت
جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها
وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلها
ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته
بمصابه وزجرت سعد الأذبح
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أرقت فبات ليلي لا يزول
دليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما
أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت
عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها
تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا
يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سألت عليه
نفوس الناس أو كربت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا
بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا
علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر
وإن لم تجزعي، ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر
وفيه سيد الناس الرسول
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم ورجعت فاطمة إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها، فقالت
اغبر آفاق السماء وكورت
شمس النهار وأظلم العصران
فالأرض من بعد النبي كئيبة
أسفا عليه كثيرة الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها
ولتبكه مضر وكل يمان
وليبكه الطود المعظم جوه
والبيت ذو الأستار والأركان
يا خاتم الرسل المبارك ضوءه
صلى عليك منزل القرآن
[نفسي فداؤك ما لرأسك ماثلا
ما وسدوك وسادة الوسنان]
الاختلاف في كفنه
فصل
وأما الاختلاف في كفنه عليه السلام كم ثوبا كان وفي الذين أدخلوه قبره ونزلوا فيه فكثير وأصح ما روي في كفنه أنه كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية وكانت تلك الأثواب من كرسف وكذلك قميصه عليه السلام كان من قطن، ووقع في السيرة من غير رواية البكائي أنها كانت إزارا ورداء ولفافة وهو موجود في كتب الحديث وفي الشروحات وكانت اللبن التي نضدت عليه في قبره تسع لبنات.
وذكر ابن إسحاق فيمن ألحده شقران مولاه واسمه صالح وشهد بدرا، وهو عبد قبل أن يعتق فلم يسهم له انقرض عقبه فلا عقب له.
ـ[الجعافرة]ــــــــ[29 - 08 - 2006, 10:27 م]ـ
شعر حسان بن ثابت في مرثيته الرسول
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا ابن هشام، عن أبي زيد الأنصاري
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها
أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى
لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد
فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره
ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا
عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
¥