وإذا ما التزم الصائم بغذاء معتدل، وتجنب الإفراط في الدهون والنشويات، وجد في نهاية شهر رمضان انخفاضا في معدل الكولسترول عنده، ونقص وزنه، ووجد في رمضان وقاية لقلبه، وعلاجا لمرضه.
و قد تباينت نتائج الأبحاث العلمية في موضوع كولسترول الدم في رمضان. ففي حين وجد بعض الباحثين حدوث ارتفاع في معدل كولسترول الدم في رمضان؛الا أن دراسات أخرى أثبتت حدوث انخفاض في معدل الكولسترول.
وتشير الدراسات الحالية إلى أنه لم تحدث أية مشاكل هامة عند صيام المرضى السكريين من النوع الثاني (الذين يتناولون الحبوب الخافضة لسكر الدم)، أما المرضى الذين يتناولون الإنسولين فلا ينصحوا عادة بالصيام.
ويعتبر الصيام فرصة ذهبية للبدينين المصابين بالتهاب المفاصل التنكسي في الركبتين، حيث يمكن استغلال هذه الفرصة بإنقاص الوزن وتخفيف الحمل الذي تنوء به مفاصل المريض. وكثير من مرضى السكر الكهلي بدينون وهنا يكون شهر رمضان فرصة لتخفيف وزنهم، والسيطرة على سكر الدم. وهناك دراسات علمية تشير إلى أن صيام رمضان يحسن مناعة الجسم في مقاومة الأمراض المختلفة.
ولو اتبعنا النظام الدقيق في غذائنا، ولم نكثر من الإفطار والسحور فوق طاقة الجسم تتم الفائدة، ونحصل على المقصود من حكمة الصيام. ولكن – للأسف الشديد – فكثير من الصائمين يقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة، ويحشون معدتهم بألوان عدة من الطعام، وقد يأكلون في شهر الصيام أضعاف ما يأكلون في غيره، أمثال هؤلاء لا يستفيدون من الصوم الفائدة المرجوة. يقول الشاعر معروف الرصافي وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب:
وأغبى العالمين فتى أكول= لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري= لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم = تكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا جياعا = وقد هموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تجعنا = فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاء= وقد يتجشئون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض= ألا ما هكذا فرض الصيام
وإذا كان الجوع سببا من أسباب رائحة الفم الكريهة، فإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما حدَّث بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشاعر الكبير محمد حسن فقي في قصيدة زادت أبياتها على 150 بيتا، نظمها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك:
رمضان في قلبي هماهم نشوة= من قبل رؤية وجهك الوضاء
وعلى فمي طعم أحسّ بأنه= من طعم تلك الجنة الخضراء
لا طعم دنيانا فليس بوسعها = تقديم هذا الطعم للخلفاء
ما ذقتُ قط ولا شعرت بمثله= ألا أكون به من السعداء
الصوم والصحة النفسية:
انتشرت في عصرنا الأمراض النفسية وتفرعت، وأنشئ لها العديد من المصحات والمستشفيات، وتخصص فيها الأطباء والخبراء، وصرفت على العقاقير البلايين من الدولارات. والحقيقة أن هناك علاقة وثيقة جدا بين الاضطرابات النفسية والأمراض العضوية التي تتمكن من جسم الإنسان. فالتوتر العصبي والقلق والاكتئاب والأرق كثيرا ما تنعكس على القلب بمختلف الأدواء من ارتفاع في ضغط الدم إلى مرض في شرايين القلب التاجية، أو اضطراب في ضربات القلب. وربما انعكست تلك الاضطرابات النفسية على المعدة، فإذا المعدة قد تقرحت، وإذا القولون قد تشنج وسبب الألم. وقد يسقط بعض المصابين بالاكتئاب فريسة لتعاطي المسكرات أو المخدرات. ولا شك أن الصائم يعيش في ظل أجواء روحانية مشبعة بالثقة والإيمان. والتزام الصائم بالامتناع عن الطعام والشراب وشهوات الجسد، يقوي الإرادة، ويجعله قويا في مواجهة مشاكل الحياة ومن ثم تمتلئ نفسه باليقين والرضا، وتخف عنه وساوس النفس والأوهام. ويجد الله تعالى دائما إلى جواره فيركن إليه. وحين يستطيع الصائم الوصول إلى تلك الدرجة بعبادته وصلاته وقراءته للقرآن، يكون قد وصل إلى بر الأمان، وحينئذ تقل الشكوى وتخف أعراض المرض، حتى أن باحثين من الأردن وجدوا في بحث نشر انخفاضا كبيرا في معدل حدوث محاولات الانتحار في شهر رمضان. وفي هذه الأجواء الرمضانية عاش عدد من الشعراء تجاربهم، فانطلقت ألسنتهم تلهج بالثناء على منحة السماء، وتصور تلك المشاعر الروحانية التي تلهم بسكينة النفس، وصفاء الروح، وسمو
¥