وترجمة سيل هذه واضحة ومحكمة معا كما يقول بدوي , ولهذا راجت رواجا كبيرا طوال القرن الثامن عشر , وعنها ترجم القرآن إلى الألمانية في سنة 1746م.
وقد قدم سيل بين يدي ترجمته بمقال تمهيدي تحدث فيه عن تاريخ العرب قبل الإسلام ودياناتهم , وعن القرآن , وقدم لمحة عامة عن أهم الفرق الإسلامية.
الموسوعة (358).
ثانيا: تلخيص ما جاء في مادة "قرآن ".
عقد بدوي في موسوعته مادة عن القرآن , تحدث فيها عن أعمال المستشرقين حول القرآن , وقد قسم تلك المادة إلى ثلاثة فروع , الأول: عن طبعات المستشرقين للقرآن بالعربية , والثاني: عن فهارس القرآن عندهم , والثالث: عن ترجمات القرآن الأولى في اللغات الأوروبية.
وسألخص هنا الفرع الثالث , وقد يكون فيه شيئا مكرر مما سبق ذكره , ولكنه ليس كثيرا.
1 - الترجمة اللاتينية الأولى:
أول ترجمة كاملة للقرآن إلى اللاتينية هي الترجمة التي دعا إليها بطرس المحترم , وقد تولى الترجمة أربعة منهم رجل عربي مسلم , وطبعت هذه الترجمة الطبعة الثانية سنة 1550م , وقد تحدث بدوي عن هذه الطبعة طويلا.
وهذه الترجمة التي دعا إليها بطرس أقرب إلى التلخيص الموسع منها إلى الترجمة , فهي لا تلتزم بالنص دقة وحرفية , ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي , وإنما تستخلص المعنى العام في أجزاء السورة الواحدة وتعبر عنه بتعبير من عند المترجم , وهذا عيب عام على هذه الترجمة , وفيها عيوب أخرى منها أخطاء في فهم بعض الآيات.
وقد انتشرت هذه الطبعة ولم يضع حدا لهذا الانتشار إلا الترجمة التي قام بها مرتشي سنة 1698.
وقد نشر بيلياندر ترجمة بطرس هذه بعد أربعة قرون من إنجارها.
2 - الترجمة الإيطالية الأولى:
أول ترجمة إيطالية مأخوذة من ترجمة بطرس المحترم السابقة , وقد زعم بعضهم أنها مأخوذة من الأصل العربي مباشرة , وهذا كذب كما يقول بدوي , وقد كانت هذه الترجمة سنة 1547م.
3 - الترجمة الألمانية الأولى:
الترجمة الألمانية الأولى مأخوذة من الترجمة الإيطالية السابقة , وقد ترجمت سنة 1616م , قام بها سالومون اشقجر , ثم طبعت ثانية سنة 1623م.
4 - الترجمة الهولندية الأولى:
وهذه الترجمة مأخوذة من الترجمة الألمانية السابقة سنة 1641م , وقد ظهر في عنوانها غلطين كما يقول بدوي , هما:
1 - إثبات كونها مأخوذة من الأصل العربي مباشرة , وهي ليست كذلك.
2 - وقوع الغلط في مكان طباعتها.
5 - الترجمة الفرنسية الأولى:
أ – أول ترجمة للقرآن إلى الفرنسية هي التي قام بها دي ريير سنة 1647م , وكان المترجم يتقن العربية جيدا , ولكن في ترجمته هذه كثيرا من المواطن الغامضة , وهو لم يعلق على ترجمته بتعليقات تشرح تلك المواطن الغامضة , وقد أعيد طبعها في هولندا سنة 1649م.
وقد ظفرت هذه الترجمة بنجاح كبير , بدليل أنها ترجمت عدة ترجمات إلى الإنجليزية وإلى الهولندية , وعن الهولندية ترجمت إلى الألمانية.
ب – أما ثاني ترجمة فرنسية فقد ظهرت سنة 1783م , قام بها ساقاري , وقد قدم قبلها بمقدمة قارن فيها بين هذه الترجمة والترجمات التي قبلها , وتحدث فيها عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - الترجمة الإنجليزية الأولى:
أقدم ترجمة إنجليزية للقرآن عن العربية مباشرة هي تلك التي قام بها جورج سيل , وظهرت في لندن سنة 1734م , وقد حظيت هذه الترجمة بانتشار واسع منذ ظهورها حتى اليوم.
وقد طبعت ثانية في لندن سنة 1764م , وعن هذه الترجمة تمت ترجمتها إلى الألمانية.
7 - الترجمة الألمانية الأولى:
أقدم ترجمة ألمانية من النص العربي مباشرة هي ترجمة دافيد فريدرش , وظهرت سنة 1772م , تحت عنوان " الكتاب المقدس التركي " الإسلامي " " , وهذه الترجمة هي التي قرأها جينيه ومنها بدأ إعجابه واهتمامه بالإسلام.
وفي السنة التالية 1773م ظهرت ترجمة ألمانية أخرى عن الأصل العربي , وقد قام بها قربوريش أبرهرد , وعنوانها " القرآن أو التشريع عند المسلمين , لمحمد بن عبدالله , مع بعض الدعوات والصلوات القرآنية الاحتفالية " , ثم أعيد طبعها مصححة سنة 1775م.
ثالثا:قراءة وتحليل:
الناظر في تلك الجهود التي بذلها المستشرقون في ترجمة القرآن يمكن أن يخرج بعدة نتائج وأفكار , منها:
الأولى: كثرة اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم وبترجمته , ويدل على ذلك كثرة الترجمات التي عملوها له , وتنوع اللغات التي نقلوها إليها , وقدم الزمن الذي وقعت فيه.
الثانية: اختلاف غرض المستشرقين من ترجمة القرآن , فمنهم من كان غرضه من الترجمة الرد على الإسلام والطعن فيه , ومنهم من لم يظهر هذا الغرض عنده , فقد يكون غرضه زيادة العلم بالدين الإسلامي أو أي غرض آخر.
الثالثة: أن مناهج المستشرقين في الترجمة متنوعة , وهي كما يلي:
أ – من حيث المحافظة على ترتيب القرآن , فمنهم من حافظ على ترتيب القرآن المعروف , ومنهم من لم يحافظ عليه وإنما رتب القرآن على حسب النزول كما زعم , ومنهم من لم يتخذ تريبا معينا وإنما قطع القرآن تقطيعا.
ب- من حيث التزام الحرفية في الترجمة , فمنهم من التزم بالترجمة الحرفية للقرآن , ومنهم من لم يلتزم بها , وإنما كان يترجم المعنى فقط.
ج – من حيث تجريد الترجمة , فمنهم من كان يضيف إلى الترجمة تعليقات إما توضيحية أو نقدية , ومنهم من لم يكن يعلق بشيء وإنما يترجم النص القرآني فقط.
الرابعة: أن تلك الترجمات مختلفة من حيث السهولة والغموض , فمنها ترجمات سهلة وواضحة , ومنها ترجمات غامضة وعسرة.
الخامسة: أن تلك الترجمات مختلفة من حيث القيمة العلمية , فمنها ترجمات متقنة منضبطة , ولهذا كانت لها قيمة علمية واعتمدت وانتشرت وتُرجِمت إلى لغات أخرى , ومنها ترجمات غير متقنة ولهذا انتقدت وردت.
السادسة: أنه يكمن أن يستفاد من نقد المستشرقين بعضهم لبعض في الحكم على تلك الترجمات وتقييمها , ومعرفة مواطن الغلط والضعف فيها.
السابعة: ضرورة دراسة التعليقات التي وضعها المستشرقون على ترجماتهم؛ ليعرف قدر إدراكهم للقرآن الكريم ومدى صحة تصوراتهم لمعانيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
¥