نَحْوَ مَنْهَجِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ لِتَفْسِيرِ القُرْآن
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[03 Aug 2008, 01:33 م]ـ
أ. د. أحمد حسن فرحات
قسم الدراسات الإسلامية/كلية الآداب، جامعة الإمارات
تمهيد:
من المعلوم أن هذه الأمة بدأت رحلتها الحضارية منذ أن تنزلت آيات القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحنث في غار حراء، حيث فاجأه الوحي بقوله: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم) وانطلقت القافلة على حُداء الوحي تُنقل خطاها في طريقها الطويل، المليء بالأشواك والصعاب، مسترشدة بالهدي الإلهي، ومستمدة قوتها من كلمات الله التي تحيي موات القلوب وتبعث الحياة والأمل في النفوس.
ولم يمض على هذه الأمة كبيرة وقت، حتى غدت على الجادة، ملتزمة بالتي هي أقوم في كل شؤون حياتها، فمكن الله لها في الأرض، وآتاها من الأسباب ما جعلها أمة شاهدة على الناس، تحمل الخير، وتشيع الهدى، وتفتح القلوب المقفلة، وتضع عن الناس الآصار والأغلال، وسارت بدعوة الله مشرقة ومغربة، فطَوي لها الزمان والمكان، فأصبحت في أقل من مائة عام تشرق شمسها على الصين شرقا وعلى جنوب فرنسا غربا.
غير أن الأمة لم تبق في هذا الخط الصاعد دائما وأبدا، فقد وقعت في مسيرتها أخطاء، وتعرضت من أعدائها الحروب ونكبات، مما أفقدها توازنها، وجعل حياتها بين مد وجزر، فمرة تنهض وأخرى تتعثر، واستمر الأمر على هذا فترة طويلة من الزمان .. وعلى الرغم من كل ذلك بقيت الأمة محتفظة بهويتها، غير متنكرة لرسالتها إلى أن تم القضاء على الدولة العثمانية آخر حلقة في سلسلة الخلافة الإسلامية.
ثم جاء الاستعمار الغربي، فأناخ بثقله على صدر هذه الأمة، وأخذ يعمل في تقطيع أوصالها، وتبديد ثرواتها، وتغيير قيمها، وتوجيهها بعيدا عن عقيدتها وتاريخها، فطرح لها بديلا عن الإسلام، وأوهمها أن تقدمها ونهضتها مرهونا بقيمه وتقاليده، وأنشأ لذلك المدارس والجامعات، وأخرج مجموعة من النخب التي رباها على عينه وأشربها من معين ثقافته، فجعلها حاكمة على الناس تسير في إطار ما خطط لها، بعيدة عن الإسلام وقيمه، مما جعل الانتماء إلى الإسلام موضع نظر، ومثار جدل. وهكذا نشأت المذاهب والأفكار المغايرة للإسلام وأصبحت الأمة أشبه بالطائرة المخطوفة يتحكم بها خاطفوها ويسيرون بها في الاتجاه الذي يرغبون غير عابئين بوجهة الركاب الأصلية، وغير مبالين بما يصيبهم من أهوال وأخطار.
وإذا وصل الأمر إلى ما وصل إليه من هذا التردي والانحطاط، فكيف يمكن لهذه الأمة أن تنهض من جديد؟ وما هي الطريق التي ينبغي أن تسلكها؟ وما هي الخطوات التي لا بد منها للإقلاع نحو الهدف المنشود؟ .. هذا ما نحاول الإسهام في الإجابة عليه في الصفحات القادمة بإذن الله.
- الأمة والقرآن:
لقد بدأت هذه الأمة مسيرتها نحو مشرق الشمس يوم أن هبط جبريل الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهو يتحنث في غار حراء، وكانت كلمة] اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم [هي الإكسير الذي بدأ يفعل فعله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في حياة من استجاب لدعوته من أمته، وانتقلت هذه الأمة بتأثير القرآن وقوته الفاعلة من الجاهلية إلى الإسلام فكانت أول أمة تولد من خلال نصوص كتاب، وتنبثق من بين حروفه وكلماته، وتقوم على إيحاءاته وتوجيهاته، ثم تخرج به إلى الناس وحيا إلهيا يحرك القلوب، ويهز النفوس، ويعيد صياغة الحياة وصناعة التاريخ.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هذه الطاقة الهائلة أن تتبدد، أو يقل تأثيرها في نفوس أصحابه، فقصرهم على الاستمداد منها، والاستقاء من معينها، ونهاهم عن الالتفات إلى غيرها والتطلع إلى سواها، ومن ثم فقد اشتد غضبه حينما رأى صحيفة من التوراة في يد عمر y وقال: " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني"، بل إنه نهى أصحابه صلى الله عليه وسلم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن وقال: (من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه) كل ذلك إدراكا منه صلى الله عليه وسلم لقوة كلمة الوحي التي يمحو الله بها ما يشاء ويثبت .. وحفظا لها من أن يشاركها ما يقلل من تأثيرها أو يضعفها في مرحلة الانطلاق الأولى.
¥