[بيان ابن تيمية رحمه الله لمعنى تعدد نزول الآية]
ـ[محمد براء]ــــــــ[20 Aug 2008, 04:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مقدمة في أصول التفسير ص29 [شرح الدكتور مساعد الطيار]: " فَقَوْلُ أَحَدِهِمْ نَزَلَتْ فِي كَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الْآخَرِ نَزَلَتْ فِي كَذَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ بِالْمِثَالِ وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُمْ لَهَا سَبَبًا نَزَلَتْ لِأَجْلِهِ وَذَكَرَ الْآخَرُ سَبَبًا؛ فَقَدْ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ عَقِبَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ وَمَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ ".
وقد بين في مجموع الفتاوى (17/ 191 - 192): المراد بتعدد النزول بوضوح وجلاء فقال: "وَسُورَةُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِهَا سُؤَالُ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَسُؤَالُ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا بِمَكَّةَ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ نَحْوَ ذَلِكَ أَنْزَلَهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: إنَّ الْآيَةَ أَوْ السُّورَةَ قَدْ تَنْزِلُ مَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَمَا يُذْكَرُ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ الْمُتَعَدِّدَةِ قَدْ يَكُونُ جَمِيعُهُ حَقًّا. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَدَثَ سَبَبٌ يُنَاسِبُهَا نَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ لِيُعَلِّمَهُ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ جَوَابَ ذَلِكَ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ يَحْفَظُهَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَالْوَاحِدُ مِنَّا قَدْ يَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَيُذْكَرُ لَهُ الْآيَةَُ أَوْ الْحَدِيثُ لِيُبَيَّنَ لَهُ دَلَالَةَ النَّصِّ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ حَافِظٌ لِذَلِكَ، لَكِنْ يُتْلَى عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّصُّ لِيَتَبَيَّنَ وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ".
قلت: فإذا فسرنا تعدد النزول بهذا التفسير، لم يعد هناك إشكال في القول به والله أعلم.
على أن من ناقش القول بتعدد نزول بعض الآيات لم تخل مناقشته من تكلف.
مثال تطبيقي:
قال الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبَي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ.
فَقَالَ: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ.
قَالَ: فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ".
قَالُوا: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا!.
فَأُنْزِلَتْ: " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ... " إِلَى آخِرِ الْآيَةَ.
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".
والحديث اخرجه أحمد والنسائي وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، كما في الدر المنثور للسيوطي.
وهذا الحديث يدل أن الآية نزلت في مكة، قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: "واعلم أنه كان بين قريش وبين أهل يثرب صلات كثيرة من صهر وتجارة وصحبة. وكان لكل يثربي صاحب بمكة ينزل عنده إذا قدم الآخر بلده، كما كان بين أمية بن خلف وسَعْد بن معاذ. وقصتهما مذكورة في حديث غزوة بدر من «صحيح البخاري» ".
لكن جاء حديث آخر في صحيح البخاري يدل انها نزلت في المدينة.
قال الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه: "بَاب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ}
¥