[فوائد وتنبيهات مختصرة على تفسير قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة ... } من تفسير الجرجاني]
ـ[أبوسليمان المحمد]ــــــــ[16 Sep 2008, 03:03 ص]ـ
قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموت والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ... } الأحزاب 72
قال عبد القاهر الجرجاني:
(إن كان المراد: أهلوها وسكانها العقلاء من الملائكة والجن , فالعرض على سبيل التخيير , والإباء والإشفاق على سبيل الاجتهاد.
وإن كان المراد: سائر الحيوان , فالغرض ابتلاء طبائعها , والإباء والإشفاق على سبيل الكراهة الطبيعية.
وإن كان المراد: بأعيانها التي هي جماد , فالعرض على سبيل الإصرار والاضطرار , والإباء والإشفاق كذلك
فائدة العرض الأول: اجتهاد.
وفائدة العرض الثاني: بيان التفاوت بيت طبائع لا يحملها الحرص على المخاطرة , وطبائع يحملها الحرص عليها.
وفائدة العرض الثالث: تفخيم الأمر). انتهى من [درج الدرر في تفسير الآي والسور] 3/ 426
1/لم أجد من قسم وفصل كما صنع الجرجاني هنا.
2/لم أجد من حكى الاحتمال الثاني.
3/لا يعرف للاحتمالين الأولين اللذين ذكرهما الجرجاني هنا أصل عن أحد من المتقدمين , وإنما حكاه بعض العلماء قولا ولم يسندوه لمتقدم [كما في (تفسير النحاس5/ 3383) و (تفسير السمعاني4/ 313) و (تفسير البغوي6/ 380) و (تفسير الرازي25/ 236) , وحكاه أيضا أبوحيان في البحر المحيط 7/ 337 ولكنه خص القول المحكي بالملائكة].
وجعله آخرون احتمالا [كما في (تفسير ابن عطية13/ 104) و (تفسير القرطبي17/ 247) , وكذلك ابن مخلوف الثعالبي في تفسيره 3/ 238 ولكنه خصه بالملائكة].
-وإنما الذي يدل عليه ظاهر تفاسير عامة المفسرين من السلف وغيرهم: هو حمل الآية على ظهرها [أي: ثالث الاحتمالات التي ذكرها الجرجاني]
وقال النحاس: (هو الذي عليه أهل التفسير).
وقال الشربيني: (هو قول أكثر العلماء) السراج المنير 5/ 396 - وهو أدق من تعبير البغوي بأنه قول (أكثر السلف) كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله-
وقال الآلوسي عن الاحتمال الثاني بأنه (ليس بشئ)! [روح المعاني] 22/ 97
-وإنما تجد الجازمين بالاحتمال الأول هم من المعتزلة أو الصوفية وأضرابهما؛ كالجبائي والقشيري والسمرقندي وغيرهم.
ولعله لأجل ذلك تجد كثيرا من المفسرين قد أعرضوا عن ذكر هذا القول , ومن يحكيه منهم قولا لا يصرح باسم قائله.
تنبيهات على هذه الفائدة:
أ - نقل الماوردي في [النكت والعيون] 4/ 430 وابن الجوزي في [زاد المسير] 6/ 429 عن الحسن البصري –دون سند أو عزو- أن العرض على أهلها من الملائكة.
وهذا النقل لايعرف له عن الحسن أصل ’ بل روي عنه ما خالف هذا النقل ويوافق ما عليه عامة المفسرين [رواه عبدالرزاق في تفسيره 2/ 125 عن معمر عنه , ومعمر ثقة ثبت لكنه لم يسمع من الحسن (انظر: التاريخ الكبير7/ 178 والمراسيل لابن أبي حاتم ص219) , ورواه ابن أبي حاتم في تفسير من طريق آخر-وفي بعض رواته مقال-[نقل إسناده ابن كثير في تفسير6/ 489 , ولم يذكر في طبعة الباز لتفسير ابن ابي حاتم ولا في الدر المنثور]
ب - في جزء [حديث خيثمة بن سليمان] ص167 –ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريقه- رواية عن ابن عباس في حكاية صفة العرض على آدم يفهم من ظاهرها أن العرض على السماوات والأرض والجبال هو عرض على الملائكة التي فيها.
وهذا سندها ومتنها: (حدثنا الكديمي حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السموت والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} فلم تقبلها الملائكة , فلما خلق الله آدم عرضها عليه , قال: يارب ... ).
-وهذه الرواية منكرة؛ فقد تفرد بها الكديمي , وهو محمد بن يونس ضعفه جمهور الحفاظ , بل كذبه أبوداود وموسى بن هارون وابن حبان, واتهمه ابن عدي والدارقطني. [انظر تهذيب الكمال وحاشيته 6/ 574]
ثم إن مثله ومن هو قريب منه لايحتمل مثل هذا الإسناد.
وكذلك فإنه خولف في متن هذا الرواية [فهذه ثلاث علل, وهناك غيرها]؛ فإن أصل هذه الحكاية ثبت عن ابن عباس دون هذه اللفظة المنكرة [انظر طرقها في تفسير الطبري19/ 197 - 198] , وكذلك ثبت أصلها عن تلميذه مجاهد [رواه الإمام محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 503,505 والواحدي في الوسيط3/ 485 وغيرهما].
-وقد جزم بأن الاحتمال الثالث هو قول ابن عباس غير واحد من المفسرين كالبغوي والماوردي.
ج- قد يستدل مستدل بمفهوم حكاية البغوي للاحتمال الثالث عن أكثر السلف على أن هناك من خالف من السلف في ذلك , وهذا غير لازم , فإن بعض العلماء قد يطلقون مثل هذه الحكاية احتياطا [ولذلك تجد أحيانا نفس العالم الذي حكى ذلك القول عن الأكثر يقول: لانعلم فيه خلافا , أو يشير إلى أن القول الآخر لايعتد به ونحو ذلك] , أو تجوزا [لأن الأكثر داخل في الكل].
4/تصويب واعتماده الاحتمال الثالث من الاحتمالات التي ذكرها الجرجاني لايعني بحال التزام ما فرعه عليه (فالعرض على سبيل ... ]) , لأنه بناه على أن العرض حقيقة [لا تقديرا أو بمعى المعارضة –كما قال بعض المتأخرين-] , وعلى أن الإباء والإشفاق مجاز [لا حقيقة].
وفي كلتا المسألتين خلاف.
-وهناك بعض التوضيحات سأذكرها -إن تيسر- لاحقا إن شاء الله.
¥