تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مسألة المجرَّبات

ـ[نهاية الأرب]ــــــــ[09 Aug 2008, 02:05 ص]ـ

هذه المسألة يقصد بها أن يعمد عامدٌ إلى آية معينة أو آيات، فيخصصها بشفاء مرضٍ معيَّن أوحالة محددة، وليس لديه دليل على هذا إلا التجرِبة، فيقول –مثلا- (كما قرأتها في منشورة): إذا أضعت شيئًا فاقرأ سورة الضحى فستجده إنشاء الله، وهذا مجرَّب. وقد تُحَدَّد مرات معينة للقراءة - والدليل التجربة أيضاً-.

وللفائدة فإن (تجرِبة وتجارِب) تنطقان بكسر الراء، مثل: تعزية وتعازي، وضمُّ الراءِ غلطٌ شائع.

وبادئ بدئ فإن المسألة لها طرفان:

الأول: أن القرآن شفاءٌ، وهذا لا إشكال فيه.

الثاني: أن تحديد آية بعينها أوعدد معين يحتاج إلى دليل، وإلا قد يدخل في باب الإحداث.

فمن نظر إلى الأول أجاز، ومن نظر إلى الثاني منع. لكن الناظر في تتابع عددٍ من العلماء المحققين على مثل هذا يهاب أن يطلق القول.

قال شيخ الإسلام في الكلم الطيب (ط. المكتب الإسلامي) عن يونس بن حبيب (تطبيع صوابه يونس بن عبيد) - قال: ما من رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون)،إلا وقفت بإذن الله تعالى. قال شيخ الإسلام: وقد فعلنا ذلك فكان كذلك بإذن الله تعالى. ونقله ابن القيم في الوابل الصيب ص (334)، ولم يعقِّب.

وقال القرطبي في تفسيره (14/ 138ط. الرسالة) عند قوله تعالى: (فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا): وهذه الآية تدخل في باب الرقى ... تطلع في الجسد وخاصة في اليد: تأخذ ثلاث أعواد من تبن الشعير، يكون في طرف كل عود عقدة، تمر كل عقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة، ثم تدفن الأعواد في مكان ندي، تعفن وتعفن الثآليل فلا يبقى لها أثر، جربت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعا إن شاء الله تعالى.

وفي زاد المعاد (4/ 326 ط. الرسالة) ساق ابن القيم طائفة منها ومما قال: كتاب للحمى: قال المروزي (وفي البدائع: المرُّوذي): بلغ أبا عبد الله أني حممت فكتب لي من الحمى رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله محمد رسول الله (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلنهم الأخسرين) اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين.

كتاب لعسر الولادة: قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد، قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام (إناء من فضة) أبيض أو شئ نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه: لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين، (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ)، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)، (روي هذا عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة 5/ 39).

كتاب آخر لذلك: يكتب في إناء نظيف: (إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت) وتشرب منه الحامل ويرش على بطنها.

كتاب للرعاف: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر) وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ.

كتاب آخر للحزاز: يكتب عليه: (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) بحول الله وقوته.

كتاب آخر له: عند اصفرار الشمس يكتب عليه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم).

كتاب لوجع الضرس: يكتب على الخد الذي يلي الوجع: بسم الله الرحمن الرحيم: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)، وإن شاء كتب: (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم).

وقال رحمه الله في مدارج السالكين (3/ 392): وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة، (وهن خمسٌ في القرآن) وسمعته يقول- في واقعة عظيمة جرت له فى مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة- قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قَلَبة.

قال ابن القيم: وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته.

وينظر: روح المعاني ط. إحياء التراث (9/ 146) و (15/ 145)، وتفسير الرازي ط. دار الكتب العلمية (27/ 50).

هذا وإنني أطرح الموضوع للمشايخ الفضلاء لإزالة الإشكال –عندي-، فبالقوادم والخوافي قوة الجناح، وبالأسنة والعوالي عمل الرماح.

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[10 Aug 2008, 05:27 ص]ـ

أحسنت أبا عمَّار في إثارة هذا الباب من العلم

وبخصوص هذه المسألة (تقييد العبادة المطلقة) فأصح الرأي فيها عند المحققين أنه: لا مدخل للابتداع في وسائل العبادات -وهي على التقريب: ما ارتبط بالعبادات مما ليس بعبادة محضة-. وغالب هذا الباب الذي عنونته بـ: المُجَرَّبات. لا ابتداع فيه ولا محذور إذا انضبط بأمور:

1: ألاَّ يوهم هذا التقييد أنه مقصود شرعاً.

2: ألاّ يخالف حال السلف الصالح وهديهم.

3: ألاّ يفضي إلى مفسدة راجحة.

فهذه قيود عامّة في كل ما كان من هذا الباب, أمّا بخصوص (المجرَّبات) فيضاف إليها:

4: أن يكون محل الاستشهاد واضح المعنى بين الدلالة على المراد.

5: أن يقترن به قصد صحيح ونية صالحة وصدق لجوء إلى الله تعالى.

6: أن يُلاحظ في ذلك اختلاف الأحوال والناس, فما كل مثال من ذلك يصلح أو يؤثر لكل أحد, وهذا راجع إلى إرادة الله تعالى التأثير مع وجود السبب, فلابد مع جودة الدعاء والذكر من قبول المحل, وكما قال ابن القيم: السيف ليس بحدِّه فقط, بل بضاربه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير