تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقولهم:" ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا ... "، فيمكن أن يكشف لنا عن حقيقة اعترافهم بأسبقيّة الموت على الحياة، والذي يعني بالضرورة أنهم يعترفون بذبوبهم ويقرون بخطئهم الموجب للعقاب. فهم عندما كانوا لا يقرون بأسبقية الموت- والذي يعني أسبقية وجود الروح والوعي على الوجود المادي- فإنّ ذلك يعني أنهم يزعمون أنّ الوعي يأتي بعد وجود الأجساد، وهو في حقيقته – عند بعضهم- انعكاس المادة في الدماغ، وبالتالي يكون الإنسان ابن بيئته ويكون وعيه من صناعة إحساساته وبيئته المادية. وهذا يقودهم إلى القول بأنه مجبر مسير، وبالتالي غير مكلف وغير مسؤول، فما معنى وجود اليوم الآخر إذن؟!!

أما الإقرار بوجود الموت قبل الحياة فيعني أسبقية الروح والوعي على الوجود المادي للأجساد والحواس. وبمجرد الإحساس تنمو في النفس البشرية المبادئ العقلية والإدراكات الفطرية؛ كمبدأ السببية، ومبدأ عدم التناقض، وأمهات المبادئ الأخلاقية ... الخ. وهذا يعني أنّ الإنسان قد ألهم ورُكّب فيه ما بسببه يصبح مسؤولاً ومكلفاً. وما الإحساس إلا الشرط المطلوب لنمو هذه الإدراكات الفطرية، كما هو أمر البذرةِ التي لا تنمو نبتةً حتى تتوافر لها الشروط، كالماء والحرارة ...

جاء في الآية 56 من سورة الدخان في حق أهل الجنة:" لا يذوقونَ فيها الموتَ إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم": أي أنّ أهل الجنة يخلدون ولا يموتون فيها إلاما كان من موتةٍ أولى. وهذا يعني أنّ الموتة الأولى كانت في الجنة، أي أنّ الأرواح كانت في الجنة قبل أن تنفخ في الأجساد، والآن تعود إلى الجنة وهي في الأجساد الحية بكامل وعيها وذاكرتها. أما أهل الشقاوة فلا يعودون إليها لما كان من شقاوتهم بعد أن نفخت أرواحهم في الأجساد الدنيوية.

وكما تلاحظ فإنّ معاني الآيات الكريمة واضحة وجليّة ومتّسقة. وقد خاض كثير من أهل التفسير في محاولة توجيه معنى الآية 56 من سورة الدخان، لظنّهم أنّ الموتة الأولى هي الموتة بعد الحياة الدنيا. وقد قادهم هذا التوجه إلى الوقوع في إشكالات كثيرة يصعب حلها. وكما تلاحظ لا إشكال في الآية الكريمة، لأنه لا يوجد ما يمنع من أن يكون مستقر الأرواح، قبل نفخها في الأجساد الدنيوية، في الجنة. وهذا ينسجم مع قول جمهور أهل السنة والجماعة بأنّ الجنة كائنة مخلوقة. أما من شذ فذهب إلى القول بأنّ الجنّة غير مخلوقة، وستخلق في المستقبل، فسوف يستشكل الآية الكريمة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير