وهناك بعض الأوجه الأخرى والتي سنعرض لها عند تناولنا للسورة, ونبدأ في تناول الآيات:
المشهد العام للأقسام:
يقدم الله تعالى في هذه الآيات مشهدا طبيعيا متكاملا متداخلا, فيقسم بالشمس ذلك الجرم المنير المتحرك في السماء وكذلك بظهور نوره وعلوه, ثم يقسم بالقمر عندما يتلو الشمس بعد أن تختفي, ثم يقدم لنا الخلفية المؤثرة في الشمس وهي النهار الذي يكشفها والليل الذي يغشاها (جزئيا!) وهما كذلك متعاقبان يخلف بعضهما بعضا, كما يتلو القمر الشمس! ثم ينتقل الله تعالى بنا إلى محل ظهور هذه الأجرام السماوية فيبدأ بالسماء العالية العظيمة وما جعلها على هذه الهيئة, ثم ينخفض إلى الأرض وما صورها بهذه الصورة! وكيف أن هذين الجرمين متكاملان, (وليسا متضادين مثل العناصر الأربعة السابقة والتي لا تجتمع في آن واحد) فهما حاضران في المشهد في آن واحد, فالأرض الأساس والسماء السقف! ثم يختم الله تعالى هذه المشاهد الفلكية كلها بجرم مخالف لها كلها وهو سيدها والحاكم عليها وهو النفس وما سواها, أن من يزكى النفس فقد أفلح ومن دساها قد خاب.
والعلاقة بين هذه الأقسام هو التداخل والتكامل والتقاطع والمحل, كما يحدث في النفس البشرية, فكل العوامل تتداخل فيها, من ضلال وهداية وفجور وتقوى, وتتابع هذه العوامل في النفس, فقد تتعرض النفس لموقف هداية ثم يتبعه مباشرة داعي ضلال, وحسبا لرد فعل النفس تكون حالتها, فقد تستفيد بها فتعلو فتصير مثل السماء العظيمة البناء, أو تُعرض عنها فتصبح مثل الأرض المطحوة.
وكما رأينا فقد عرض الله تعالى في الآيات الماضيات صورة بديعة مدهشة ذكر فيها الإعدادات والتمهيدات التي أوجدت من أجل الإنسان, فنظام كوني بديع متمثل في الشمس والقمر والليل والنهار وبناء كوني أبدع, فسماء مبنية وأرض مطحوة ونفس مسواه, كل هذا من أجل هدف واحد وهو أن يعد المسرح الذي سيزكي الإنسان نفسه عليه أو يرديها. وكما قلنا من قبل فإننا يمكننا أن نقسم الآيات إلى قسمين: الشمس ومتعلقاتها , والأبنية (السماء والأرض والنفس) , لذا فيمكن القول أن المشهد الكوني الذي ذكره الله عزوجل يمكن أن يكون إشارة إلى دور الوحي في حياة الإنسان, فالوحي والدين هو الشمس المنيرة والقمر إشارة إلى الرسول الذي يتبع الوحي ويظهر نوره, والنهار إشارة إلى التقوى الذاتية الموجودة في داخل النفس وهي التي تجلي نور الوحي, والليل إشارة إلى الفجور الذاتي الموجود في النفس والذي قد يغشى شمس الوحي فيذهب نورها. وأما الأبنية المذكورة مع النفس فكما قلنا فهي إشارة إلى المنزلة التي يمكن أن تصل إليها النفس, فقد ترتفع وتزكو إلى السماء أو تنحدر وتسفل فتهبط إلى الأرض, فما أعظم وأروع هذه الإشارات والصور البديعة المذكورة في الآيات.
ومن أراد متابعة تحليل تفصيلي للسورة, يمكنه ذلك من خلال هذا الرابط:
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=169