وقال مهلهل بن ربيعة:
إني وجدت زهيراً في مآثرهم شبه الليوث إذا استأسدتهم أسدوا
يقول: إذا أغريتهم وهيجتهم كانوا أسداً , وقال الصنعاني:: استؤسد: هيج , وقال الأزهري: قال الليث: واستأسد فلان: أي صار في جرأته كالأسد. ا هـ , وكذلك قال أبو عبيد في ((غريب الحديث)) , يقال: قد أسد الرجل واستأسد بمعنى واحد. ا هـ ولا شاهد على ذلك من كلام العرب , وقول مهلهل بن ربيعة: وإذا استأسدتهم أسدوا , يدل على خطئه , والصواب: استأسد: هيج وأغرى , واستؤسد: هيج واغرى.
وقال عامر الخصفي المحاربي في قصيدة يرد بها على الحصين بن الحمام المري:
وكنا نجوما كلما انقض كوكب بدا زاهر منهن ليس بأقتما
بدا زاهر منهن تأوي نجومه إليه إذا مستأسد الشر أظلما
ومستأسد الشر: الذي يغري به ويهيجه , وهو يعني به في ذلك البيت الليل.
وقال أبو النجم يصف نباتاً:
حتى تحنى وهو لما يذبلِ
مستأسداً ذبانه في غيطلِ
يقول للرابدِ أعشبت انزلِ
ويروى: مستأسد بالرفع , وذبانه: ذبابه , وعيطل: غيضة , وهو الشجر الملتف , وقال الأزهري: قال أبو عبيد عن الأصمعي: إذا بلغ النبات والتف , قيل: قد استأسد , وأشد قول أبي النجم.
ا هـ وقد استأسد: قد أغرى وهيج , وهو في قول أبي النجم: مستأسد ذبانه , يقول: إن ذلك
النبات لما طال وانحنى ولما يذبل بعد أغرى الذباب وهيجه فلزق الذباب به وكثر عليه , وقال أبو العباس ثعلب في ((مجالسه)): استأسد الأسل , إذا ارتفع , وكل شيء استأسد فهو مرتفع , وأنشد قول أبي النجم (). ا هـ , والأسل: عيدان تنبت طوالاً دقاقاً , وليس في قولِ أبي النجم ولا غيره شاهداً على أن كل شيءٍ استأسد فهو مرتفع , ولكن استأسد: أغرى وهيج.
وقال الأخطل:
بمستأسدٍ يجري الندي في رياضةِ سقته أهاضيب الصبا فمديمها
قال السكري: المستأسد: الملتف من الكلأ المكتهل ا هـ , والكتهل: الذي تم طوله.
وقال ذو الرمة:
فاكتهل النور بها واستأسدا ولو نأى ساكنها فأبعدا
فاستأسد النبات: أغرى , وإنما يكون ذلك إذا تم واكتهل ولما يذبل بعد.
وقال ابن الأثير في ((غريب الحديث)): ومنه حديث لقمان بن عاد: خذ مني أخي ذا الأسد , والأسد مصدر أسد يأسد أسداً , أي: ذو القوة الأسدية.ا هـ , ونقله ابن منظور في ((لسان العرب)) , وذلك الحديث لم أجده بعد مسنداً , وكثير مما يستشهد به أصحاب الغريب ليس محفوظاً عند المحدثين , وفي ((لسان العرب)): وأسد آسد على المبالغة , وأسد بين الأسد نادر , ونسب بعض ذلك إلى ابن الأعرابي.
فالعرب يقولون: أسداً للرجل الجريء الذي لا يفر , ويقولون: أسداً للسبع المعروف , وما قبله وبعده من الكلام يبين أي أسدٍ أرادوا به , وأكثر ما ينسبون إليه األسد من السباع هي مواطنها التي تسكنها , وقد سمى العرب أبنائهم أسداً , وأسيداً , وأسيداً , وأسيداً , ومن قبائلهم أسد , وهم بنو أسد بن خزيمة , وحمزة بن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسد الله , ويقولون: أسد الرجل , وأسدت اللبؤة , وأسد الكلب , إذا أقدم وجرئ وكلب فصار أسداً , ويقولون: آسد بين الناس إيساداً , أغرى بينهم , وأسد وآسد وأوسد الكلب: أغراه بالصيد وهيجه وأشلاه , والواو في أوسد منقلبة عن الألف الثانية في آسد , وهو من اختلاف ألسنة العرب في نطق الهمزتين المتتاليتين في أول اللفظة , ويقولون: كلاب مؤسدة: آسدها المؤسد , ويقولون: استأسد القوم: أغراهم وهيجهم وأغضبهم , واستؤسد: هيج , وقالوا ليل مستأسد الشر , وقالوا للنبات إذا تم واكتمل فأغرى: مستأسد , واستأسد.
ولا حجة على أن العرب كانوا أولاً يقولون الأسد لذلك الأسد من السباع خاصة , ثم نقلوه بعد ذلك للرجل , واشتقوا من أسد وآسد وغيرها , ولسان العرب القديم الأول لم يحفظ لنا , ولا انزل الله كتابه به , ولا ندري أي شيء كان السد بذلك السان الأول , والذي حفظ لنا , وأنزل الله كتابه به , هو لسان العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم , و أولئكم كانوا يقولون الأسد: للرجل والسبع , فقولهم: إنه وضع أولاً للسبع ثم نقل للرجل , هو زعم باطل , لا حجة له.