تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[08 Sep 2008, 10:56 ص]ـ

إذا وكما رأينا فهناك اختلاف كبير في تحديد مدلول كل كلمة منهما, فإذا رجعنا إلى اللغة وحكمناها وجدنا أن الهمز كلمة تدل على الضغط ورأينا استعمالها في المجسمات, وعلى أساسه يمكننا تحديد معناها في المعنويات, فنقول أن الهمز قريب من استعمالنا لكلمة الطعن في لغتنا المعاصرة, أي ويل لمن يطعنون الناس ويذمونهم بألسنتهم فتكون كلماتهم كالسهام أو الرماح التي تخترق جسم الإنسان. فإذا نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يستعمل هذه الكلمة في أشكال مختلفة مثل قوله تعالى: " َوقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون: 97] , أي أعوذ بك مما يوسوسون به من أفكار وظنون, وقوله: " هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم: 11] "

فهؤلاء يضرون الناس بكلامهم الذي يحمل سهام العيب.

فإذا نظرنا في اللمزة وجدنا أن المعنى قريب, فابن فارس يقول في المقاييس:

" اللام والميم والزاء كلمةٌ واحدة، وهي اللَّمْز، وهو العَيب. يقال لَمَزَ يَلمِزُ لَمْزاً. قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاتِ [التوبة 58]. ورجل لَمَّازٌ ولُمَزَة، أي عَيَّاب." اهـ

وكما رأينا فإن ابن فارس يرى أن اللمز بمعنى العيب, ويذكر قوله تعالى " وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: 58] نموذجا, ولكنا نرى أن الفرق بين الهمز واللمز هو أن الهمز الطعن والذم والعيب صريحا كان أو إيحاءا, أما اللمز فهو العيب بالنقص والحط والتقليل من القدر, وأخذنا هذا التحديد من معكوس المعنى, فالزمل يدل على الحمل والتغطية والتعادل, ومن ذلك المزمل أي الذي يغطي نفسه بكثير من الملابس, ومنه المزاملة أي المعادلة على البعير. فإذا نحن عكسنا هذا المعنى وجدنا أن اللفظ يكون بمعنى الحط والتقليل من الشأن, أي أن أحط من قدر الإنسان ومن فعله كأنه لا يساوي شيئا!

ونلاحظ أن الله تعالى استعمل صيغة "فعلة" والتي تفيد المبالغة ليدل على أن هذا الفعل ملازم لهم لا ينفصل عنهم, فليس الوعيد لمن همز مرة أو لمز أخرى وإنما الوعيد لمن صار هذا حاله وديدنه, فبدلا من أن يكون لسان عون يوصي الناس بالحق وبالصبر وبالمرحمة أصبح لسان سلق يعيب هذا ويقلل من شأن ذاك, ويعرض بفعل ونية الآخرين, وفي هذا الخطر العظيم على الفرد والمجتمع, فالإنسان يحتاج لمن يشكر له فعله, فإذا حدث ووجد العكس وهو الهمز واللمز بدلا من المدح أو حتى السكوت, فإن هذا يحبط الإنسان ويدفعه إلى ترك العمل والانزواء والإعراض, أما إذا حدث ووجد التواصي بالحق وبالصبر وبالثبات على المواقف فإن هذا يشجعه على الاستمرار والدوام ويقوي عزيمته!

إذا فالله تعالى يتوعد كل همزة لمزة بالويل, ثم يزيده الله تعالى تحديدا فيقول: الذي جمع مالا وعدده! وكما نكّر الله عزوجل عند الحديث عن الويل, نكر هنا عند الحديث عن المال, فقال: جمع مالا! ولم يقل: المال, ليدخل تحته أي وكل ما يتمول به, أي ليس المراد منه المال النقدي فقط! ولقد جمع هذا الهمزة اللمزة المال وعدده, والتعديد معروف, لذا نجد أن الإمام الفخر الرازي يقول في تفسيره:

"أما قوله: {وَعَدَّدَهُ} ففيه وجوه أحدها أنه مأخوذ من العدة وهي الذخيرة يقال: أعددت الشيء لكذا وعددته إذا أمسكته له وجعلته عدة وذخيرة لحوادث الدهر وثانيها: عدده أي أحصاه وجاء التشديد لكثرة المعدود كما يقال: فلان يعدد فضائل فلان، ولهذا قال السدي: وعدده أي أحصاه يقول: هذا لي وهذا لي يلهيه ماله بالنهار فإذا جاء الليل كان يخفيه وثالثها: عدده أي كثره يقال: في بني فلان عدد أي كثرة، وهذان القولان الأخيران راجعان إلى معنى العدد، والقول الثالث إلى معنى العدة " اهـ

والذي نراه أن التعديد يكون بمعنى التكثير والتنويع, أي أنه لم يقتصر على صنف واحد من أصناف المال وإنما جمع منها الكثير, فجمع المال والعقار والأنعام والذهب والفضة و كثير من أصناف المتمولات! ولقد عظم عند هذا الإنسان مقدار ماله وغناه لدرجة أنه: "يحسب أن ماله أخلده", أي أنه يظن أن ماله قد ضمن له الخلود, وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير