واعلم أن الفائدة في ذكر جهنم بهذا الاسم ههنا وجوه: أحدها: الاتحاد في الصورة كأنه تعالى يقول: إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة. والثاني: أن الهامز بكسر عين ليضع قدره فيلقيه في الحضيض فيقول تعالى: وراءك الحطمة، وفي الحطم كسر فالحطمة تكسرك وتلقيك في حضيض جهنم لكن الهمزة ليس إلا الكسر بالحاجب، أما الحطمة فإنها تكسر كسراً لا تبقي ولا تذر الثالث: أن الهماز اللماز يأكل لحم الناس والحطمة أيضاً اسم للنار من حيث إنها تأكل الجلد واللحم " اهـ
وكما رأينا فإن الإمام الفخر الرازي –وعامة المفسرين كذلك- لم يوضح لنا العلاقة بين النار والحطم وإنما اكتفى بذكر الأقوال التي تدور حول النار والحطم بدون ذكر الرابط.
فإذا نحن نظرنا في اللسان بحثا عن معنى الحطم, وجدنا ابن منظور يقول:
"الحَطْمُ: الكسر في أي وجه كان، وقيل: هو كسر الشيء اليابس خاصَّةً كالعَظْم ونحوه. حَطَمهُ يَحْطِمُهُ حَطْماً أي كسره، وحَطَّمَهُ فانْحَطَم وتَحَطَّم.
والحطْمَةُ والحُطامُ: ما تَحَطَّمَ من ذلك. الأَزهري: الحُطامُ ما تَكّسّرَ من اليَبيس، والتَّحْطيمُ التكسير ....... الحَطْمَةُ والحُطْمَةُ والحاطوم: السنة الشديدة لأنها تَحْطِمُ كل شيء، وقيل: لا تسمى حاطوماً إلا في الجَدْب المتوالي.
وأصابتهم حَطْمَةٌ أي سنة وجَدْبٌ: قال ذو الخِرَقِ الطُّهَوِيّ: من حَطْمَةٍ أقْبَلَتْ حَتَّتْ لنا وَرَقاً نُمارِسُ العُودَ، حتى يَنْبُت الوَرَقُ وفي حديث جعفر: كنا نخرج سنة الحُطْمةِ؛ هي الشديدة الجَدْبِ. الجوهري: وحَطْمَةُ السيل مثل طَحْمَتِه، وهي دُفعَتُهُ. والحَطِمُ المتكسر في نفسه." اهـ
وقبل أن نذكر العلاقة بين النار والحطم لا بد أن نركز على الفارق بين الحطم والكسر, فالكسر معروف وهو مثل قولنا: كسرت المائدة, أما التحطيم فهو التكسير إلى قطع صغيرة وذلك مثل قولنا: حطمت الزجاج أو الخبز الجاف, وتصور الفارق بين الهيئتين في المائدة والزجاج تعرف الفارق بين المعنيين.
إذا فالنار حطمة, ولكن كيف؟
كما لاحظت عزيزي القارئ فلقد ذكر الله تعالى في أول السورة قوله "همزة لمزة", وقلنا أنهما على وزن فعلة, والذي يفيد الشدة والمبالغة في التوصيف, وهنا استعمل الله عزوجل نفس الوصف مع النار, أي أنها تكسر تكسيرا شديدا, فيتحول من هذا التحطيم الكفار إلى فتات!
وكون النار حطمة شيء منطقي, فالمواد إذا وضعت في النار إما أن تنصهر-مثل الزجاج- أو تتيبس مثل الفخار! ونحن إذا وضعنا في النار أي مادة قابلة للتيبس في النار, مثل الطين فإنها من شدة الحرارة تتحجر, ومع ازدياد الحرارة فإنها لا تتوقف عند هذا التحجر وإنما يصل الأمر إلى مرحلة التفتت والتحول إلى تراب حار مرة أخرى.
وهذا ما سيحدث مع هذا الصنف من الكفار, فهؤلاء ستوقد عليهم النار في أماكن مخصوصة حتى تصل أجسادهم إلى درجة عظيمة من التيبس, ومع استمرار الإيقاد, فإن أجسادهم اليابسة لا بد أن تتفتت "تتحطم".
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[08 Sep 2008, 11:00 ص]ـ
وبعد أن ذكر الصفة الرئيسة لهذه النار وهي الحطم ذكر وصفا ضروريا لها وهو قوله تعالى: "التي تتطلع على الأفئدة", وهذه الآية مثل سابقتها بها دعوة إلى التفكر, فكيف تتطلع النار على الأفئدة؟
إذا نحن نظرنا في القرآن وجدناه استعمل "اطلع" متعديا بنفسه وبحرف, فقال: " َأاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم: 78] " , وقال: "فبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13] "
والاطلاع على الشيء معروف ولا نزال نستعمله في أيامنا هذه بنفس المعنى, وهو في الأساس بمعنى العلو على الشيء, أي أن الإنسان يكشف الشيء المطلع عليه عن طريق علوه عليه.
والفؤاد معروف ومشتهر, ولكن الذي لا يعرفه كثير من العرب أن الفأد أساسا بمعنى الشي والتوقد, -وهذا مناسب بداهة للمشهد العام الذي تقدمه السورة- وفي هذا يقول ابن منظور في اللسان:
¥